قوله:
﴿وَرُوحٞ
مِّنۡهُۖ﴾ أي: من الأرواح التي استخرجها من صلب آدم عليه
السلام، وأَخَذ عليها العهد على أنه عز وجل ربهم وإلههم؛ كما قال الله عز وجل: ﴿وَإِذۡ
أَخَذَ رَبُّكَ مِنۢ بَنِيٓ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ
وَأَشۡهَدَهُمۡ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ أَلَسۡتُ بِرَبِّكُمۡۖ قَالُواْ بَلَىٰ
شَهِدۡنَآۚ﴾ [الأعراف: 172] الآيات. ورُوح عيسى من تلك
الأرواح التي خلقها الله عز وجل.
وذَكَر
ابن جرير عن وهب بن مُنَبِّه قال: نَفَخ جبريل في جيب درع مريم، حتى وصلت النفخة
إلى الرحم فاشتملت.
وعن
السُّدِّي: أن النفخة دخلت في صدرها فحملت.
وقال
ابن جريج: يقولون: إنما نَفَخ في جيب درعها وكمها. انتهى مختصرًا.
فجبريل
عليه السلام نَفَخ، والله خَلَق بقول: «كُنْ» فكان؛ كما قال عز وجل: ﴿فَإِذَا
سَوَّيۡتُهُۥ وَنَفَخۡتُ فِيهِ مِن رُّوحِي﴾ [ص: 72]، فسبحان
مَن لا يَخلق غيره، ولا يُعْبَد سواه!
وقد
أورد بعض النصارى على بعض علماء المسلمين قول الله عز وجل: ﴿وَرُوحٞ
مِّنۡهُۖ﴾، فقال في الجواب: هذا ليس خاصًّا بعيسى عليه
السلام، بل المخلوقات كذلك كلها؛ كما قال عز وجل ﴿وَسَخَّرَ
لَكُم مَّا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا مِّنۡهُۚ﴾ [الجاثية: 13]
أي: خلقًا وإيجادًا، وعيسى كذلك، خَلَقه وأوجده كسائر مخلوقاته.
وفي
هذا الحديث الرد على اليهود، أعداء الله وأعداء أنبيائه ورسله؛ فإنهم كانوا هم
والنصارى في طرفي نقيض، فنسبوه إلى أنه ولد بَغِي - قاتلهم الله - فأكذبهم الله عز
وجل في كتابه وأبطل قولهم؛ كما أبطل قول الغُلاة من النصارى فيما تقدم من الآيات
ونحوها.