قلت:
وكلا القولين حق، فقد كان الخليل عليه السلام كذلك.
فتأمل
قول مجاهد - والله أعلم - لما كان الخليل كذلك في ابتداء دعوته ونبوته ورسالته
عليه السلام، فمدحه الله تعالى بتبرئته من المشركين؛ كما قال عز وجل: ﴿وَٱذۡكُرۡ
فِي ٱلۡكِتَٰبِ إِبۡرَٰهِيمَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا ٤١إِذۡ قَالَ
لِأَبِيهِ يَٰٓأَبَتِ لِمَ تَعۡبُدُ مَا لَا يَسۡمَعُ وَلَا يُبۡصِرُ وَلَا
يُغۡنِي عَنكَ شَيۡٔٗا ٤٢﴾ [مريم: 41- 42]، وقوله: ﴿وَإِنَّ
مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبۡرَٰهِيمَ ٨٣إِذۡ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلۡبٖ سَلِيمٍ ٨٤﴾ [الصافات: 83-
84].
فهذا
- والله أعلم - كان في ابتداء دعوته عليه السلام، ولم يكن إذ ذاك على وجه الأرض
مسلم غيره، وبذلك جاء الحديث ([1]).
وقوله:
﴿وَلَمۡ
يَكُ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ﴾ فقد فارق المشركين بالقلب واللسان والأركان،
وأنكر ما كانوا عليه من الشرك بالله في عبادته، وكسر الأصنام، وصبر على ما أصابه
في ذات الله.
وهذا
هو تحقيق التوحيد، وهو أساس الدين ورأسه؛ كما قال عز وجل: ﴿إِذۡ
قَالَ لَهُۥ رَبُّهُۥٓ أَسۡلِمۡۖ قَالَ أَسۡلَمۡتُ لِرَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾ [البقرة: 131].
**********
قوله: ﴿إِنَّهُۥ كَانَ صِدِّيقٗا نَّبِيًّا﴾، «الصِّديق»: هو المبالغ في الصدق مع الله عز وجل ومع خلقه، فلا يصدر منه كذب أبدًا؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ؛ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ؛ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2217)، ومسلم رقم (2371).