وقَصَد النبي صلى الله عليه وسلم من هذا أن يتأهب معاذ لمن سيَقْدَم عليهم،
وأنهم أهل كتاب، يحتاجون إلى استعداد علمي للمجادلة والمناظرة.
فدل ذلك على أن الداعية يجب عليه معرفة حالة المدعوين. وهذا من منهج
الدعوة، أن الداعية ينظر في حالة المدعوين، ويخاطب كلًّا منهم بحَسَب ما يليق به:
فإن كان يخاطب علماء فإنه يخاطبهم بما يليق بهم، وإن كان يخاطب عوامَّ فإنه
يخاطبهم بما يليق بهم؛ لأن الناس ليسوا على حد سواء، فلا يليق بالداعية أن يخاطب
العلماء بخطاب الجُهال، ولا يليق به أن يخاطب الجُهال بخطاب العلماء، ولا يليق
بالداعية أن يخاطب السلاطين بخطاب عامة الناس، أو يخاطب عامة الناس بخطاب
السلاطين، كلٌّ يخاطبه بما يرى أنه أقرب إلى قَبوله للحق.
قال الله عز وجل لرسوليه موسى وهارون عليهما السلام لما أرسلهما إلى فرعون:
﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا
لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ﴾ [طه: 44].
قوله: «فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا
تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ: شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ» يجوز في
الإعراب نصب «أَوَّلَ» على أنها خبر
مُقَدَّم لـ «يَكُنْ»، ورفع «شَهَادَةُ» على أنها اسم «يَكُنْ» مؤخر. ويجوز العكس: «فَلْيَكُنْ أَوَّلُ مَا تَدْعُوهُمْ
إِلَيْهِ: شَهَادَةَ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ»، والأصل تقديم اسم كان
وتأخير خبرها.