فتساءل الصحابة - لحرصهم
على الخير -: مَن هذا الرجل الذي وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بهذه الصفات
العظيمة؟! وباتوا «يَدُوكُونَ» يعني:
يخوضون، كل الليل، مَن منهم يعطيه النبي صلى الله عليه وسلم الراية؟ وكل واحد منهم
يرجو أن يكون هو الذي يحمل هذه الراية، ويحصل على هذه الفضيلة التي أَخْبَر عنها
رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا طمعًا في الدنيا ولا طمعًا في الجاه، وإنما
طمعًا فيما عند الله سبحانه وتعالى، حتى قال عمر رضي الله عنه: «ما تمنَّيت الإمارة إلاَّ هذه الليلة» ([1]).
قال: «فَلَمَّا أَصْبَحُوا غَدَوْا
عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم » أي: ذهبوا إليه مبكرين، كل منهم
يرجو أن يكون ذلك الرجل. وهذا من حرصهم على الخير، ومن شجاعتهم وإقدامهم رضي الله
عنهم، كل واحد منهم مُقَدِّم نفسه لله عز وجل بشجاعة وإقدام ورغبة فيما عند الله
سبحانه وتعالى.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟» الآن تَبَيَّنَ مَن هو هذا
الرجل. وفي هذا تَفَقُّد للجند، ما سكت النبي صلى الله عليه وسلم وترك الذي يحضر،
بل تفقده. فالإمام والقائد يتفقد جنوده ورعيته، ولا يسمح لأحد أن يتخلف من غير عذر.
«فَقَالُوا: يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ»، وذلك أنه رضي الله عنه أصابه رمد بعينيه - وهو مرض من أمراض العيون معروف عند الأطباء - فلم يحضر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويُروى أنه أصابه في المدينة، وأنه لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وسلم بسبب المرض. ولكن بعدما ذهب النبي صلى الله عليه وسلم هو وأصحابه من المدينة،
([1]) أخرجه: عبد الرزاق في «مصنفه» (11/ 226).