شَرَع لأمته أن يتبركوا
بحجرته، ولا أن يتبركوا بغار حراء، ولا بغار ثور، ولا بالأمكنة التي جلس فيها ونزل
عليه الوحي فيها، ولا بدار المولد، إذا ثَبَت أنه وُلد في هذا المكان. فلا يُتبرك
بهذه الأشياء؛ لأن هذا لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، وهم أعلم الأمة بما
يجوز وما لا يجوز، ولا فَعَله صحابته الكرام ولا فَعَله السلف الصالح من القرون
المفضلة.
وإنما يتعلق بهذه الآثار - كما يسمونها - الجهلة والمخرفون الذين لا يهمهم
الدليل، وإنما يهمهم ما قاله فلان وعلان، وما تهواه أنفسهم.
وقوله: «أو نحوهما»
يشمل كل ما ذكرنا: الشجر، والحجر، والقبور، والآثار التي تُنسب إلى الأنبياء أو
الأولياء والصالحين. كلها لا يجوز التبرك بها.
إنما يُتبرك بما دلت الأدلة على جواز التبرك به؛ كالتبرك بأسماء الله عز
وجل وصفاته، والتبرك بالقرآن، والتبرك بما انفصل من جسد النبي صلى الله عليه وسلم
في حياته؛ لأنه بعد موته لم يَبْقَ شيء مما انفصل منه صلى الله عليه وسلم؛ انقطع
هذا بموته صلى الله عليه وسلم ورحيله عن هذه الدنيا إلى الرفيق الأعلى.
قوله: «كبقعة وقبر ومَشهد... ونحو ذلك»،
يعني: بقعة من الأرض يتبركون بها ويذهبون إليها.
وليس في الأرض بقعة تُقصد للبركة والعبادة فيها إلاَّ المساجد الثلاثة؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لاَ تُشَدُّ الرِّحَالُ إلاَّ إِلَى ثَلاَثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَمَسْجِدِ الأَقْصَى» ([1])،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1189)، ومسلم رقم (1397).