وقد ظهرت طائفة من جهلة الأطباء - كما يقول الإمام ابن القيم -
وكذلك من بعض المفكِّرين والكُتَّاب المنتسبين للإسلام، ينكرون وجود الجن؛
لأنهم لا يؤمنون إلاَّ بما تُقِره عقولهم، وعقولهم لا تتسع للتصديق بهذه المغيبات.
وكذلك الجن يَمَسُّون الإنس ويخالطونهم ويصرعونهم، وهذا شيء ثابت. لكن من
جهلة الناس مَن ينكر صَرْع الجن للإنس، وهذا لا يُكَفَّر؛ لأن هذه مسألة خفية،
ولكنه يُخطَّأ، فالذي ينكر مس الجن للإنس لا يُكَفَّر، ولكن يُضَلَّل؛ لأنه يُكذب
بشيء ثابت. أما الذي يُنكر وجودهم أصلاً فهذا كافر.
فقوله عز وجل: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ
رِجَالٞ مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ﴾ أي: يلتجئون إليهم
ليدفعوا عنهم الشرور ﴿فَزَادُوهُمۡ﴾ زاد الجنُّ الإنس ﴿رَهَقٗا﴾ أي: خوفًا. فالجن
تسلطوا على الإنس لما رأوهم يعوذون بهم، وزادوهم خوفًا وقلقًا، وأُعجبوا بأنفسهم.
وسبب نزول هذه الآية: أن العرب كانوا في الجاهلية إذا نزلوا منزلاً، قال
أحدهم: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه!! فأنزل الله هذه الآية: ﴿وَأَنَّهُۥ كَانَ رِجَالٞ
مِّنَ ٱلۡإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٖ مِّنَ ٱلۡجِنِّ فَزَادُوهُمۡ رَهَقٗا﴾.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: «كان
رجال من الإنس يبيت أحدهم في الوادي في الجاهلية، فيقول: أعوذ بعزيز هذا الوادي!!
فزادهم ذلك إثمًا».
وقال غيره: «فزاد الإنسُ الجنَّ
باستعاذتهم بعزيزهم جراءة عليهم، وازدادوا هم بذلك إثمًا».