شَأْنِ التَّوْحِيدِ، ويَقُولُونَ: النَّاسُ
مُسْلِمُونَ، أَنْتُم في بِلاَدٍ مُسْلِمِينَ، العَالَمُ الإِسْلاَمِيُّ لَيْسَ
بِحَاجَةٍ إلاَّ أَنْ يُلْقَى عَلَيْهِ مُحَاضَرَاتٌ في التَّوْحِيدِ، أَوْ
يُقَرِّرَ مُقَرَّرَاتٍ في المَدَارِسِ، في التَّوْحِيدِ، أَوْ تُقْرَأَ كُتُبُ
التَّوْحِيدِ في المَسَاجِدِ، هَكَذَا يَقُولُونَ، وهَذَا من الجَهْل ِالعَظِيمِ؛
لأَِنَّ المُسْلِمَ أَحْوَجُ من غَيْرِهِ لِمَعْرِفَةِ التَّوْحِيدِ من أَجْلِ
أَنْ يُحَقِّقَهُ، ومِنْ أَجْلِ أَنْ يَقُومَ بِهِ، ومِنْ أَجْلِ أَنْ يَبْتَعِدَ
عَمَّا يُخِلُّ بِهِ أو يُنَاقِضُهُ مِنَ الشِّركِ والبِدَعِ والخُرَافَاتِ، فَلاَ
يَكْفِي أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بالاسْمِ من غَيْرِ أَنْ يُحَقِّقَ الإِسْلاَمَ،
ولَنْ يُحَقِّقَهُ إلاَّ إِذَا عَرِفَ أَسَاسَهُ وقَاعِدَتَهُ الَّتِي يُبْنَى
عَلَيْهَا وهُوَ التَّوْحِيدُ، فَإِنَّ النَّاسَ إِذَا جَهِلُوا التَّوْحِيدَ،
وجَهِلُوا مَسَائِلَ الشِّرْكِ وأُمُورَ الجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُم حِينئِذٍ
يَقَعُونَ في الشِّرْكِ من حَيْثُ يَدْرُونَ أو لاَ يَدْرُونَ، وحِينئِذٍ تُنْقَضُ
عَقِيدَةُ التَّوْحِيدِ كَمَا قَالَ أَمِيرُ المُؤْمِنِينَ عُمْرُ بْنُ
الخَطَّابِ: إِنَّمَا تُنْقَضُ عُرَى الإِسْلاَمِ عُرْوَةً عُرْوَةً إِذَا نَشَأَ
في الإِسْلاَمِ مَن لاَ يَعْرِفُ الجَاهِلِيَّةَ.
وهل كُلُّ المُسْلِمِينَ يَعْرِفُونَ أُمُورَ العَقِيدَةِ ويَعْرِفُونَ التَّوْحِيدَ لمَّا كَانَ العُلَمَاءُ يَعْلَمُونَ هَذَا، والعُلَمَاءُ الآنَ قِلَّةٌ وأَقَلُّ مِنَ القَلِيلِ، أَعْنِي العُلَمَاءَ بالمَعْنَى الصَّحِيحِ، وكُلَّمَا تَأَخَّرَ الزَّمَانُ فَإِنَّ العُلَمَاءَ في الحَقِيقَةِ يَقِلُّونَ، ويَكْثُرُ المُتَعَالِمُونَ، ويَكْثُرُ القُرَّاءُ، ويَكْثُرُ رُءُوسُ الجُهَّالِ كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ هَذَا الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ صُدُورِ الرِّجَالِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ هَذَا الْعِلْمَ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (100)، مسلم رقم (2673).