×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

دَعْوَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ

بَعْدَ البَعْثَةِ ثَلاَثَ عَشَرَةَ سَنَة

****

ولِهَذَا يَقُولُ اللَّهُ جل وعلا لِنَبِيِّهِ: ﴿قُلۡ هَٰذِهِۦ سَبِيلِيٓ أَدۡعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِيۖ وَسُبۡحَٰنَ ٱللَّهِ [يوسف: 108]، هَذَا فِيهِ البَرَاءَةُ مِنَ المُشْرِكِينَ، فالمُسْلِمُ المُوَحِّدُ لا بُدَّ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنَ المُشْرِكِينَ، ولاَ يَسَعُهُ أَنْ يَسْكُتَ والشِّرْكُ يَعُجُّ في البَلَدِ، والأَضْرِحَةُ تُبْنَى، والطَّوَافُ بالقُبُورِ مَعْمُورٌ، فَلاَ يَسَعُ من يُؤْمِنَ بِاللَّهِ واليَوْمِ الآخَرِ أَنْ يَسْكُتَ عَلَى هَذَا الوَبَاءِ الخَطِيرِ الَّذِي يَفْتِكُ في جِسْمِ الأُمَّةِ، ويَقُولُ: أَدْعُو النَّاسَ إِلَى حُسْنِ السَّيْرِ والسُّلُوكِ وتَرْكِ الخُمُورِ وتَرْكِ الزِّنَا، مَاذَا تُجْدِي هَذِهِ الأُمُورُ مَعَ فَقْدِ الأَسَاسِ؟ عِنْدَمَا تُرِيدُ إِقَامَةَ بَيْتٍ أَلَيسَ أَوَّلُ شَيْءٍ تُقِيمُ القَوَاعِدَ من أَجْلِ أَنْ تُقِيمَ البِنَاءَ الصَّحِيحَ؟ وإِلاَّ إِذَا لَم تَهْتَمَّ بالأَسَاسِ ولَم تَهْتَمَّ بِقَوَاعِدَ البِنَاءِ فَإِنَّكَ مَهْمَا شَيَّدَتْهُ وجَمَّلَتْهُ ونَمَّقْتَهُ فَإِنَّهُ عُرْضَةٌ للسُّقُوطِ، ويَكُونُ خَطَرًا عَلَيْكَ، وعَلَى مَنْ دَخَلَ عَلَيْكَ، وعَلَى من حَلِّ هَذَا المَبْنَى، كَذَلِكَ الدِّينُ إِذَا لَم يَقُم عَلَى عَقِيدَةٍ سَلِيمَةٍ، وأَسَاسٍ صَحِيحٍ، وتَوْحِيدِ اللَّهِ، وتَنْزِيهِهِ مِنَ الشِّرْكِ، وإِبْعَادِ المُشْرِكِينَ عَنْ مَوْطِنِ الإِسْلاَمِ، النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَثَ بِمَكَّةَ بَعْدَ البَعْثَةِ ثَلاَثَ عَشَرَةَ سَنَة يَدْعُو النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ، يَقُولُ لِلنَّاسِ: «قُولُوا: لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ تُفْلِحُوا» ([1])، يَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ، والسُّوَرُ المَكِّيَّةُ كَمَا ذَكَرْتُ لَكُم كُلُّهَا تُعَالِجُ قَضِيَّةَ التَّوْحِيدِ، ثُمَّ لَمَّا تَأَسَّسَ التَّوْحِيدُ وقَامَتِ العَقِيدَةُ نَزَلَتْ شَرَائِعُ الإِسْلاَمِ، نَزَلَ الأَمْرُ بِالصَّلاَةِ، والأَمْرُ بِالزَّكَاةِ، وهَذَا إِنَّمَا نَزَلَ في المَدِينَةِ، نَعَم الصَّلاَةُ فُرِضَتْ عَلَى


الشرح

([1])  أخرجه: أحمد رقم (16023)، والحاكم رقم (39)، والطبراني في «الكبير» رقم (4582).