النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم في مَكَّةَ لَيْلَةَ
المِعْرَاجِ قَبْلَ الهِجْرَةِ بِأَشْهُرٍ، فُرِضَتْ عَلَيْهِ في مَكَّةَ
بَعْدَمَا تَأَسَّسَ التَّوْحِيدُ، وبَعْدَمَا بُنِيَتِ العَقِيدَةُ، ثُمَّ
نَزَلَتْ فَرِيضَةُ الزَّكَاةِ، ونَزَلَ الصِّيَامُ، ونَزَلَ الحَجُّ، ونَزَلَتْ
بَقِيَّةُ شَرَائِعِ الإِسْلاَمِ، يُوَضِّحُ هَذَا جَلِيًّا أَنَّ الرَّسُولَ صلى
الله عليه وسلم لما بَعَثَ مَعَاذًا إِلَى اليَمَنِ رَسْمَ لَهُ مَنْهَجَ
الدَّعْوَةِ، وقَالَ لَهُ: «إِنَّكَ
تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ
إِلَيْهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ الله» ([1])،
انْظُرُوا، بَدَأَ بِالتَّوْحِيدِ، ثُمَّ قَالَ: «فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ لِذَلِكَ» ([2])
بِمَعْنَى شَهِدُوا أَنْ لا إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ، ووُجِدَت العَقِيدَةَ، «فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ
عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوكَ
لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ
مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» ([3]).
فَأَوَّلُ
شَيْءٍ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم معاذًا بِالدَّعْوَةِ إِلَيْهِ
التَّوْحِيدُ، وهَذَا لَيْسَ خَاصًّا بِمُعَاذٍ، بَلْ هَذَا عَامٌّ لِكُلِّ مَنْ
يَدْعُو إِلَى اللَّهِ عز وجل أَنْ يَبْدَأَ بِهَذَا الأَصْلِ، بِدُونِ أَنْ
يُقِرُّوا بِالتَّوْحِيدِ لا يَأْمُرُهُم بِالصَّلاَةِ؛ لأَِنَّهُ لا فَائِدَةَ
مِنَ الصَّلاَةِ بِدُونِ تَوْحِيدٍ، لا فَائِدَةَ مِنَ الزَّكَاةِ بِدُونِ
تَوْحِيدٍ، لا فَائِدَةَ مِنَ الصِّيَامِ بِدُونِ تَوْحِيدٍ، لا فَائِدَةَ مِنَ
الحَجِّ بِدُونِ تَوْحِيدٍ.
قَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٦٥بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ ٦٦﴾ [الزمر: 65- 66]، وقَالَ تعالى لَمَّا ذَكَرَ الأَنْبِيَاءَ من ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَتِلۡكَ حُجَّتُنَآ ءَاتَيۡنَٰهَآ إِبۡرَٰهِيمَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦۚ نَرۡفَعُ دَرَجَٰتٖ مَّن نَّشَآءُۗ إِنَّ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (1389)، مسلم رقم (19).