الصَّحِيحَةِ، أَمَّا إِذَا دَخَلَ الشِّرْكُ
وتَفَشَّتِ البِدَعُ والخُرَافَاتُ، وقِيلَ: اتْرُكُوا النَّاسَ أَحْرَارًا في
عَقَائِدِهِم، اتْرُكُوهُم لا تُنَفِّرُوهُم، هُنَا يَحْصُلُ الاخْتِلاَفُ، ويَحْصُلُ
التَّفَرُّقُ، ويَدْخُلُ الشَّيْطَانُ بَيْنَ صُفُوفِ المُسْلِمِينَ، فَيُفَرِّقُ
جَمَاعَتَهُم كَمَا هُوَ الوَاقِعُ الآنَ، وأَضْرِبُ لَكُم مَثَلاً في هَذِهِ
البِلاَدِ حَيْثُ كَانَتْ دَعْوَةُ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الوَهَّابِ
رحمه الله إِلَى التَّوْحِيدِ مُتَفَرِّقَةً، كُلُّ قَرْيَةٍ لَهَا أَمِيرٌ
وحُكُومَةٌ، وكُلُّ قَرْيَةٍ تُحَارِبُ القَرْيَةَ الأُخْرَى، بَلْ يُحَارِبُ
الجَانِبَ الآخَرَ، سَلْبٌ ونَهْبٌ، وقَتْلٌ وتَقْتِيلٌ، كُلُّ قَرْيَةٍ فِيهَا
حَاكِمٌ لا تَخْضَعُ لِلأُخْرَى، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ تعالى بِهَذِهِ
الدَّعْوَةِ المُبَارَكَةِ عَلَى يَدِ هَذَا العَالَمِ الصَّالِحِ المُصْلِحِ
تَوَحَّدَتِ البِلاَدُ، وصَارَتْ تَحْتَ قِيَادَةٍ واحِدَةٍ، وصَارَ لَهَا
دَوْلَةً قَامَتْ عَلَى الدِّينِ والتَّوْحِيدِ، ولاَ تَزَالُ ولِلَّهِ الحَمْدُ،
هَذَا لأَِنَّهُ أُسِّسَ بِنَاؤُهَا عَلَى التَّوْحِيدِ، لَكِنْ قَبْلَ أَنْ
يُؤَسَّسَ التَّوْحِيدُ في البِلاَدِ كَانَتْ مُتَفَرِّقَةً، وكَانُوا
يَتَبَرَّكُونَ بالأَشْجَارِ وبِالأَْحْجَارِ.
كَانَ
السَّحَرَةُ يَعْمَلُونَ عَمَلَهُم بَيْنَ النَّاسِ، وكَانَ المُشَعْوِذُونَ يَتَجَوَّلُونَ
في القُرَى، ويُخَرِّبُونَ عَقَائِدَ النَّاسِ، وكَانَ الحُكْمُ عِنْدَ
القَبَائِلِ عَلَى حَسَبِ العَوَائِدِ الجَاهِلِيَّةِ، رَغْمَ أَنَّهُ كَانَ في
البِلاَدِ آنَذَاكَ عُلَمَاءٌ كَثِيرُونَ، لَكِنْ لَم يَهْتَمُّوا بِدَعْوَةِ
التَّوْحِيدِ وإِنْكَارِ الشِّرْكِ، فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بِهَذَا النُّورِ
وهَذِهِ الدَّعْوَةِ المُبَارَكَةِ تَوَحَّدَتِ البِلاَدُ، واطْمَأَنَّ العِبَادُ،
وأُقيمَتِ الحُدُودُ، وأُمِرَ بالمَعْرُوفِ، ونُهِيَ عَنِ المُنْكَرِ، وصَارَ
المُسْلِمُونَ أخوةً، هَذَا كُلُّهُ بِبَرَكَةِ عَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ
الصَّالِحَةِ الصَّحِيحَةِ، هَذَا نَمُوذَجٌ قَرِيبٌ.
حَالُ العَرَبِ قَبْلَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم
****
والعَرَب
قبَلُ بَعْثَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا مُتَفَرِّقِينَ
مُتَشَتِّتِينَ،