×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

ثَأَرَاتٌ وغَارَاتٌ، فَلَمَّا بُعِثَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ودَعَاهُم إِلَى التَّوْحِيدِ، واسْتَجَابُوا لِلَّهِ ورَسُولِهِ، تَوَحَّدُوا وصَارُوا قُوَّةً هَائِلَةً في الأَرْضِ سَادَتِ العِبَادَ والبِلاَدَ، وذَكَرَهُم اللَّهُ بِقَوْلِهِ: ﴿وَٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَآءٗ فَأَلَّفَ بَيۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةٖ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ [آل عمران: 103]، فاللَّهُ تعالى بَيَّنَ مَا كَانَتْ حَالَتُهُم عَلَيْهِ قَبْلَ دَعْوَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ومَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَعْدَ دَعْوَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم واسْتِجَابَتهم لَهُ، ويَقُولُ تعالى: ﴿لَقَدۡ مَنَّ ٱللَّهُ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ إِذۡ بَعَثَ فِيهِمۡ رَسُولٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُزَكِّيهِمۡ وَيُعَلِّمُهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ وَٱلۡحِكۡمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبۡلُ لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ [آل عمران: 164]، كَانُوا قَبْلَ بَعْثَةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم في ضَلاَلٍ مُبِينٍ، وكَانُوا مَطْمَعًا لِلشُّعُوبِ الأُخْرَى، فَكَانَتْ تُسَيْطِرُ عَلَى العَرَبِ فَارِسُ والرُّومُ، وكُلُّ دَوْلَةٍ من دُوَلِ الكُفْرِ كَانَ لَهَا نَصِيبٌ في جَزِيرَةِ العَرَبِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلاَمُ ودَخَلُوا في دِينِ اللَّهِ انْعَكَسَ الأَمْرُ، فَصَارَتْ جَزِيرَةُ العَرَبِ تُسَيْطِرُ عَلَى العَالَمِ، وامْتَدَّتِ الفُتُوحُ وانْتَشَرَ الإِسْلاَمُ، ودَخَلَ النَّاسُ في دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا.

والإِمَامُ مَالِكٌ رحمه الله يَقُولُ: لا يُصْلِحُ آخَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إلاَّ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا، فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الأُمَّةُ الآنَ تُرِيدُ الاجْتِمَاعَ، وتُرِيدُ القُوَّةَ، وتُرِيدُ الائْتِلاَفَ، فَإِنَّهُ لا يُصْلِحُهَا إلاَّ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا، والَّذِي أَصْلَحَ أَوَّلَهَا هُوَ التَّوْحِيدُ، فَلاَ يُصْلِحُ آخَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إلاَّ التَّوْحِيدُ والاجْتِمَاعُ عَلَى كَلِمَةِ لا إِلَهَ إلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، فالَّذِي يَجْمَعُ الأُمَّةَ هُوَ العَقِيدَةُ الصَّحِيحَةُ والعَمَلُ الصَّالِحُ، قَالَ تَعَالَى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ [التوبة: 33]، فالهُدَى هُوَ العِلْمُ النَّافِعُ، ودِينُ الحَقِّ هُوَ العَمَلُ الصَّالِحُ، ولاَ يُمْكِنُ أَنْ تَجْتَمِعَ هَذِهِ الأُمَّةُ إلاَّ بالعِلْمِ النَّافِعِ


الشرح