مَيْدَانِ المَعْرَكَةِأوفي غَيْرِهَا، فَلَيْسَ هَذَا خَاصًّا بِمَيْدَانِ المَعْرَكَةِ، بَلْ التَّفَرُّقُ والتَّنَازُعُ بَيْنَ المُسْلِمِينَ يُفْشِلُهُم أَمَامَ أَهْلِ الأَرْضِ من أَعْدَائِهِم، ويُطْمِعُ الأَعْدَاءَ فِيهِم، وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ﴾ [الأنفال: 46]، الرِّيحُ هُوَ القُوَّةُ؛ لأَِنَّ الاجْتِمَاعَ قُوَّةٌوالتَّفَرُّقَ ضَعْفٌ، وإِذَا ضَعُفَ المُسْلِمُونَ ذَهَبَتْ عِزَّتُهُم وكَرَامَتُهُم وطَمعَ فِيهِم عَدُوُّهُم، واسْتَوْلَوْا عَلَيْهِم سَوَاءً اسْتَوْلَوْا اسْتِيلاَءً مُبَاشِرًا أو غَيْرَ مُبَاشِرٍ: ﴿وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفۡشَلُواْ وَتَذۡهَبَ رِيحُكُمۡۖ وَٱصۡبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ﴾ [الأنفال: 46] وقَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿وَلَا تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَٱخۡتَلَفُواْ﴾ [آل عمران: 105]، بَيَّنَ اللَّهُ في هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ الافْتِرَاقَ يُسَبِّبُ الاخْتِلاَفَ، والاخْتِلاَفُ في الآرَاءِ والمَنَاهِجِ والجَمَاعَاتِ والأَحْزَابِ يُسَبِّبُ الاخْتِلاَفَ في القُلُوب تنَاكَرَتْ وتَفَرَّقَتْ كَلِمَةُ المُسْلِمِينَ بِسَبَبِ ذَلِكَ، فَمِنْ ثَمَرَاتِ التَّفَرُّقِ حُصُولُ الاخْتِلاَفِ، ولِهَذَا كَانَ صلى الله عليه وسلم، إِذَا اخْتَلَفَتِ القُلُوبُ يُسَوِّي أَصْحَابَهُ في الصَّلاَةِ، يُسَوِّي صُفُوفَهُم ويَقُولُ: «لاَ تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ» ([1])، فالاِخْتِلاَفُ في الصَّفِّ يُسَبِّبُ الاخْتِلاَفَ في القُلُوبِ، والاتِّفَاقُ وتَعْدِيلُ الصَّفِّ يُسَبِّبُ اجْتِمَاعَ القُلُوبِ، هَذَا مِثَالٌ يُقَاسُ عَلَيْهِ كُلُّ شُؤُونِ الأُمَّةِ، يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الأُمَّةُ صَفًّا واحِدًا في كُلِّ أُمُورِهَا ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِهِۦ صَفّٗا كَأَنَّهُم بُنۡيَٰنٞ مَّرۡصُوصٞ﴾ [الصف: 4]، فَلَوْ كَانَ المُقَاتِلُونَ كُلُّ واحِدٍ في مَكَانٍ هَلْ يَحْصُلُ لَهُم نَصْرٌ وعِزٌّ؟ لا، لَكِنْ إِذَا كَانُوا صَفًّا واحِدًا كَالْبُنْيَانِ المَرْصُوصِ فَإِنَّهُم بِذَلِكَ يَكْتَسِبُونَ القُوَّةَ والتَّعَاوُنَ والتَّآلُفَ، ويَنْتَصِرُونَ عَلَى عَدُوِّهِم، ولا يَقِفُ في وجْهِهِم أَحَدٌ؛ لأَِنَّهُم يَحْمِلُونَ الإِيمَانَ والقُوَّةَ، وعَدُوَّهُم يَحْمِلُ الضَّعْفَ والخَوْفَ﴿ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ
([1]) أخرجه: مسلم رقم (432).