بِمَا عِنْدَهُ ولَوْ كَانَ ضَلاَلاً وكُفْرًا
وإِلْحَادًا، وإِذَا فَرِحَ بِمَا عِنْدَهُ فَلَنْ يَرْجِعَ أَبَدًا، هَذِهِ هِيَ
المُصِيبَةُ، فالأَحْزَابُ إِذَا صَارَ كُلُّ حِزْبٍ مُقْتَنِعًا بِمَا مَعَهُ
وفَرِحَ بِهِ فلا يُرْجَى لَهُم رُجُوعٌ، هَذَا ابْتِلاَءٌ وامْتِحَانٌ مِنَ
اللَّهِ تعالى أَنَّ اللَّهَ أَفْرَحَهُم بالبَاطِلِ من أَجْلِ ألاَّ يَرْجِعُوا
إِلَى الحَقِّ عُقُوبَةً لَهُم، أَمَّا لَوْ أَنَّ الحِزْبَ هَذَا يَنْظُرُ فِيمَا
هُوَ عَلَيْهِ مِنَ المَنْهَجِ ويُرَاجِعُهُ ويُعَدِّلُ الخَطَأَ فَإِنَّهُ
يَكُونُ عَلَى خَيْرٍ، لَكِنْ إِذَا فَرِحَ بِمَا عَلَيْهِ مِنَ الخَطَإ فَهَذِهِ
هِيَ المُشْكِلَةُ.
وهَذَا
مَا عَلَيْهِ غَالِبُ الجَمَاعَاتِ اليَوْمَ، كُلُّ جَمَاعَةٍ مُقْتَنِعَةٌ بِمَا
هِيَ عَلَيْهِ، ولا تُفَكِّرُ بِأَنْ تَعْرِضَ مَا هِيَ عَلَيْهِ عَلَى الكِتَابِ
والسُّنَّةِ، وإِنَّمَا تَأْخُذُهَا العَصَبِيَّةُ وتَأْخُذُهَا الغيرَةُ
الجَاهِلِيَّةُ والنَّخْوَةُ الجَاهِلِيَّةُ عَلَى التَّعَصُّبِ لِمَا هِيَ
عَلَيْهِ، وهَذِهِ عَلاَمَةُ شَرٍّ، بَلْ الوَاجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعًا ﴿فَإِن تَنَٰزَعۡتُمۡ
فِي شَيۡءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُمۡ تُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ
وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِۚ ذَٰلِكَ خَيۡرٞ وَأَحۡسَنُ تَأۡوِيلًا﴾ [النساء: 59]، أَيْ: خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً
عَاجِلاً وآجِلاً، ﴿وَمَا ٱخۡتَلَفۡتُمۡ
فِيهِ مِن شَيۡءٖ فَحُكۡمُهُۥٓ إِلَى ٱللَّهِۚ ذَٰلِكُمُ ٱللَّهُ رَبِّي عَلَيۡهِ
تَوَكَّلۡتُ وَإِلَيۡهِ أُنِيبُ﴾
[الشورى: 10] ولَمَّا كَانَ اللَّهُ تعالى يَرْضَى لَنَا أَنْ نَجْتَمِعَ
ونَعْتَصِمَ بِحَبْلِهِ جَمِيعًا ولا نَتَفَرَّقُ فَقَدْ نَهَانَا عَنْ أَسْبَابِ
الفُرْقَةِ، كُلُّكُم أو غَالِبُكُم تَقْرَؤُونَ سُورَةَ الحُجُرَاتِ، هَذِهِ
السُّورَةُ العَظِيمَةُ الَّتِي تُعَالِجُ أَمْرَاضَ المُجْتَمَعِ، وتُعَالِجُ
أَسْبَابَ الفُرْقَةِ، أَوَّلُهَا: قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ
فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ
فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ﴾
[الحجرات: 6]، اللَّهُ تعالى أَمَرَنَا إِذَا جَاءَنَا فَاسِقٌ، والفَاسِقُ
مَعْنَاهُ: غَيْرُ العَدْلِ، هَذَا لا يُقْبَلُ خَبَرُهُ إلاَّ بَعْدَ التَّثَبُّتِ؛
لأَِنَّهُ لَيْسَ عَدْلاً، فلا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ ويُزَوِّرَ ويُفَرِّقَ ﴿إِن جَآءَكُمۡ
فَاسِقُۢ﴾ [الحجرات: 6]، أَصْل
الفِسْقِ الخُرُوجُ عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ، وقَدْ يَكُونُ الفِسْقُ كُفْرًا، وقَدْ
يَكُونُ الفِسْقُ دُونَ الكُفْرِ،