وهُوَ المُرَادُ هُنَا ﴿إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ﴾ [الحجرات: 6]، لأَِنَّ العَدْلَ لا يُمْكِنُ أَنْ
يَكْذِبَ، لَكِنَّ الفَاسِقَ مَظِنَّةُ الكَذِبِ، فَتَبَيَّنُوا وتَثَبَّتُوا ولا
تَقْبَلُوا خَبَرَهُ عَلَى علاَّتِهِ حَتَّى تَفْحَصُوهُ، ﴿إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ﴾ [الحجرات: 6]، أَيْ: خَشْيَةَ أَنْ تُصِيبُوا ﴿قَوۡمَۢا
بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ﴾ [الحجرات: 6].
قَالُوا: يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَتَوَقَّفُوا فِيمَا يَقُولُهُ الفُسَّاقُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ التَّفْرِيقَ بَيْنَ المُسْلِمِينَ، التَّفْرِيقَ بَيْنَ طَلَبَةِ العِلْمِ، التَّفْرِيقَ بَيْنَ الرَّاعِي والرَّعِيَّةِ، يَجِبُ أَنْ لا يَتَعَجَّلُوا قَبُولَ خَبَرِ الفُسَّاقِ والمُنَافِقِينَ، بَلْ لا بُدَّ من التَّمْحِيصِ، ﴿أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ﴾ [الحجرات: 6]، يَعْنِي: خَطَأ، ﴿فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ﴾ [الحجرات: 6]، دَلَّ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الفَاسِقِ لا يُفِيدُ العِلْمَ، بَلْ يُفِيدُ جَهَالَةً إِذَا لَم يَثْبُتْ مِنْهُ، هَذَا من نَاحِيَةٍ، ثُمَّ إِنَّهُ تعالى أَمَرَ بالعِلاَجِ إِذَا تَطَوَّرَ الاخْتِلاَفُ وأَفْضَى إِلَى الاقْتِتَالِ بَيْنَ المُخْتَلِفِينَ مِنَ الأُمَّةِ، أَمَرَنَا بِعِلاَجِ ذَلِكَ بالإِصْلاَحِ أو بِقِتَالِ الفِئَةِ البَاغِيَةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ﴾ [الحجرات: 9]، أَوَّلُ خُطْوَةِ الصُّلْحِ وتَسْوِيَةِ النِّزَاعِ من أَجْلِ أَنْ تَبْقَى لِلمُسْلِمِينَ كَلِمَتُهُم واجْتِمَاعُهُم، ويُسَوَّى النِّزَاعُ، فلا نَتْرُكُ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ ويَتَنَازَعُونَ ويَتَضَارَبُونَ ويَتَشَاتَمُونَ، لا، بَلْ نَسْعَى بالإِصْلاَحِ، هَذَا شَأْنُ المُسْلِمِينَ، ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡۖ﴾ [الأنفال: 1]، ﴿لَّا خَيۡرَ فِي كَثِيرٖ مِّن نَّجۡوَىٰهُمۡ إِلَّا مَنۡ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوۡ مَعۡرُوفٍ أَوۡ إِصۡلَٰحِۢ بَيۡنَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوۡفَ نُؤۡتِيهِ أَجۡرًا عَظِيمٗا﴾ [النساء: 114]، النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ في الصَّدَقَاتِ: «تَعْدِلُ بَيْنَ اثْنَيْنِ صَدَقَةٌ» ([1])، إِذَا وجَدْتَ اثْنَيْنِ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2560)، مسلم رقم (1009).