×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

مُتَنَازِعَيْنِ وأصلحت بَيْنَهُمَا فَهَذِهِ صَدَقَةٌ، ولَيْسَتْ الصَّدَقَةُ مَقْصُورَةً عَلَى المَالِ، والصَّدَقَةُ أَنْوَاعٌ: مِنْهَا الإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ، الكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ، تَبَسُّمُكَ في وجْهِ أَخِيكَ صَدَقَةٌ؛ لأَِنَّ هَذَا كُلُهُ يَحْصُلُ بِهِ المَحَبَّةُ والاجْتِمَاعُ، ﴿فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ [الحجرات: 9]، هَذِهِ الخُطْوَةُ الأُولَى، والخُطْوَةُ الثَّانِيَةُ: ﴿فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى ٱلۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي [الحجرات: 9]، إِذَا صَارَتْ طَائِفَةٌ لا تَقْبَلُ الصُّلْحَ وتُرِيدُ أَنْ تَسْتَمِرَّ في بَغْيِهَا، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى المُسْلِمِينَ أَنْ يَكُونُوا مَعَ الطَّائِفَةِ المَظْلُومَةِ، وأَنْ يُقَاتِلُوا الطَّائِفَةَ الظَّالِمَةَ حَتَّى يَنْحَسِمَ ﴿فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي [الحجرات: 9]، ولَوْ كَانَتْ مِنَ المُسْلِمِينَ، يُقَاتِلُونَ ولَوْ كَانُوا مِنَ المُسْلِمِينَ إِذَا بَغَوْا وظَلَمُوا؛ لأَِنَّ هَذَا يُفَرِّقُ الكَلِمَةَ ﴿فَقَٰتِلُواْ ٱلَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ [الحجرات: 9]، يَعْنِي: تَرْجِعُ، ﴿فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِٱلۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُقۡسِطِينَ [الحجرات: 9]، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا السَّبَبَ الَّذِي من أَجْلِهِ شَرَعَ اللَّهُ هَذِهِ الإِجْرَاءَاتِ: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ [الحجرات: 10]، لا يَرْضَى الأُخْوَةُ لِإِخْوَانِهِم أَنْ يَتَنَازَعُوا وأَنْ يَتَقَاطَعُوا وأَنْ يَتَقَاتَلُوا، لا يَرْضَوْنَ بِهَذَا ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ [الحجرات: 10]، هذَا فِيهِ تَحْذِيرٌ من تَرْكِ النِّزَاعِ يَتَفَاقَمُ؛ لأَِنَّهُ يُسَبِّبُ غَضَبَ اللَّهِ ﴿وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ [الحجرات: 10]، فالإِصْلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ سَبَبٌ لِلرَّحْمَةِ، وتَركُ الإِصْلاَحِ بَيْنَ النَّاسِ سَبَبٌ لِلغَضَبِ، غَضَبُ اللَّهِ تعالى.

وجَاءَ في الحَدِيثِ: «إِنَّ الأَْعْمَالُ تُعْرَضُ عَلَى الله فِي كُلِّ يَوْمِ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَيَغْفِرُ لِمَن لاَ يُشْرِكُ بِاللهِ شَيْئًا إلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيَقُولُ اللَّهُ تعالى: انْظُرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا» ([1])،


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2565).