بالمَغْفِرَةِ فَقَالَ: ﴿وَٱللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾
[الحجرات: 5]، أَطْمَعَهُم بالمَغْفِرَةِ مِمَّا حَصَلَ مِنْهُم؛ لأَِنَّهُم
لَيْسُوا مُنَافِقِينَ، ولَكِنَّهُم فَعَلُوا ذَلِكَ عَنْ جَهْلٍ، واللَّهُ تعالى
يَغْفِرُ لِلمُؤْمِنِينَ مَا يَقَعُ مِنْهُم من خَطَأٍ، ولَكِنَّهُ يُنَبِّهُ
المُؤْمِنِينَ أَنْ يَتَجَنَّبُوا ذَلِكَ في المُسْتَقْبَلِ فَقَالَ: ﴿لَّا
تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ﴾ [النور: 63]، الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَهُ
مَكَانَةٌ ولَهُ قَدْرٌ عِنْدَ اللَّهِ تعالى، فَيُنَادَى بِأَدَبٍ وخَفْضِ
صَوْتٍ، ويُتَأَدَّبُ مَعَهُ صلى الله عليه وسلم غَايَةَ التَّأَدُّبِ، وهَذَا من
عَلاَمَاتِ الإِيمَانِ، وهَذَا عَامٌّ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم في
حَالِ حَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم وبَعْدَ مَوْتِهِ صلى الله عليه وسلم فالَّذِينَ
يُسَلِّمُونَ عَلَى قَبْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَخْفِضُوا
أَصْوَاتَهُم عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا نَبَّهَ
العُلَمَاءُ عَلَى ذَلِكَ، فلا يُسَاءُ الأَدَبُ عِنْدَ قَبْرِهِ صلى الله عليه
وسلم بِرَفْعِ الصَّوْتِ والجَلَبَةِ، وأَعْظَمَ من ذَلِكَ أَنْ يُسَاءَ الأَدَبُ
مَعَ اللَّهِ تعالى في هَذَا المَوْقِفِ، فَيُطْلَبُ مِنَ الرَّسُولِ صلى الله
عليه وسلم قَضَاءُ الحَاجَاتِ، أو تَفْرِيجُ الكُرْبَاتِ، أو الاسْتِعَانَةُ؛
لأَِنَّ هَذَا شِرْكٌ بِاللَّهِ تعالى وسُوءُ أَدَبٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم، وكَذَلِكَ يَشْمَلُ هَذَا التَّأَدُّبُ مَعَ سُنَّةِ الرَّسُولِ صلى
الله عليه وسلم إِذَا سَمِعْتَ أَحَادِيثَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَأَصْغِ
لَهَا وتَأَدَّبْ لَهَا كَأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُكَ؛
لأَِنَّهَا بَلَغَتْكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَجِبُ
عَلَيْنَا أَنْ نَحْتَرِمَ سُنَّةَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم؛ لأَِنَّ
احْتِرَامَهَا من احْتِرَامِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم فَنَتَأَدَّبُ مَعَ
سُنَّةِ الرَّسُولِ كَمَا نَتَأَدَّبُ مَعَ القُرْآنِ؛ لأَِنَّهُ كُلَّهُ وحْيٌ
مِنَ اللَّهِ تعالى: ﴿وَمَا
يَنطِقُ عَنِ ٱلۡهَوَىٰٓ ٣ إِنۡ هُوَ
إِلَّا وَحۡيٞ يُوحَىٰ ٤﴾
[النجم: 3- 4].
التَّأَدُّبُ مَعَ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم
****
فَيَجِبُ
أَنْ نَتَأَدَّبَ مَعَ أَحَادِيثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، والإِمَامُ
ابْنُ القَيِّمَ نَبَّهَ عَلَى أَنَّ طَالِبَ العِلْمِ إِذَا حَضَرَ الحَلْقَةَ
الَّتِي فِيهَا رِوَايَةُ الأَحَادِيثِ عَنِ