أَنَّهُم يَذْهَبُونَ بِدُونِ اسْتِئْذَانٍ،
ويَتَسَلَّلُونَ مِنَ المَجْلِسِ والاجْتِمَاعِ؛ لأَِنَّهُم لا يُحِبُّونَ
الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم ولا يُطِيقُونَ الاسْتِمَاعَ إِلَيْهِ عليه الصلاة
والسلام، فَهُم يَتَسَلَّلُونَ مِنَ الحُضُورِ لِوَاذًا، بِمَعْنَى: أَنَّهُم
يَتَوَارَوْنَ في الانْصِرَافِ حَتَّى لا يَرَاهُم الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم
هَذَا من بَابِ الخَدِيعَةِ، ومِنْ بَابِ الاحْتِيَالِ، يَنْصَرِفُونَ ولَيْسَ
لَهُم حَاجَةٌ ولا ضَرُورَةٌ لِلاِنْصِرَافِ، وإِنَّمَا يَنْصَرِفُونَ كَرَاهِيَةً
لِمَجْلِسِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم واللَّهُ جل وعلا لا تَخْفَى عَلَيْهِ
خَافِيَةٌ، فَضَحَهُم وبَيَّنَ عَمَلَهُم الخَبِيثَ فَقَالَ: ﴿قَدۡ يَعۡلَمُ ٱللَّهُ
ٱلَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ﴾
[النور: 63]،، ثُمَّ قَالَ جل وعلا: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ﴾ [النور: 63]، أمْرِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ﴿أَن
تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
[النور: 63]، هَذَا تَحْذِيرٌ مِنَ اللَّهِ جل وعلا لِعِبَادِهِ المُؤْمِنِينَ
أَنْ يُخَالِفُوا أَمْرَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم ﴿فَلۡيَحۡذَرِ﴾
[النور: 63]، اللاَّمُ هَذَه لاَمُ الأَمْرِ، ﴿أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ﴾
[النور: 63]، عُقُوبَةٌ مِنَ اللَّهِ تعالى عَلَى مُخَالَفَتِهِ.
والفِتْنَةُ
كَمَا قَالَ الإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: «أَتدْرِي مَا الفِتْنَةُ؟ الفِتْنَةُ
الشِّرْكُ، لَعَلَّهُ إِذَا رَدَّ بَعْض قَوْلَهُ - أَيْ: بَعْضَ قَوْلِ
الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَقَعَ في قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْغِ،
فَيَهْلَك».ويَقُولُ الإِمَامُ أَحْمَدُ رحمه الله: «عَجِبْتُ من قَوْمٍ عَرَفُوا
الإِسْنَادَ وصِحَّتَهُ يَذْهَبُونَ إِلَى رَأْيِ سُفْيَانَ»، يَعْنِي: سُفْيَانَ
الثَّوْرِيَّ الإِمَامَ الجَلِيل الفَقِيهَ العَالِمَ الحَبْرَ المَعْرُوفَ في
الإِسْلاَمِ، يَذْهَبُونَ إِلَى رَأْيِهِ، أَيْ: إِلَى اجْتِهَادِهِ وفَتْوَاهُ،
ويَتْرُكُونَ العَمَلَ بالحَدِيثِ الَّذِي عَرَفُوا إِسْنَادَهُ، وعَرَفُوا
صِحَّتَهُ، فَإِذَا كَانَ مَن أَخَذَ بِرَأْيِ سُفْيَانَ الإِمَامِ الجَلِيلِ
وفَتْوَاهُ واجْتِهَادِهِ وتَرَكَ الحَدِيثَ مُعَرَّضًا لِهَذَا الوَعِيدِ،
فَكَيْفَ بِمَنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ؟ وكَيْفَ بِمَنْ أَخَذَ آرَاءَ القَوَانِينِ
الوَضْعِيَّةِ الكُفْرِيَّةِ وقَدَّمَهَا عَلَى شَرِيعَةِ اللَّهِ؟