بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: مَا دَامَ أَفْتَى
فُلاَنٌ بِكَذَا فَنَحْنُ يَسَعُنَا مَا قَالَهُ فُلاَنٌ أو مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
فُلاَنٌ، إِذَا كَانَتِ الفَتْوَى تَوَافِقُ أَهْوَاءَهُم، فَهُم يَتَلَمَّسُونَ
أَقْوَالَ العُلَمَاءِ، ويَتَلَمَّسُونَ مِنْهَا مَا يُوَافِقُ رَغَبَاتِهِم، ولا
يَسْأَلُونَ عَنِ الدَّلِيلِ، مَا هُوَ دَلِيلُ فُلاَنٍ؟ ومَا هُوَ دَلِيلُ
فُلاَنٍ؟ بَلْ يَتَلَمَّسُونَ الرُّخَصَ، ويَتَلَمَّسُونَ من آرَاءِ الرِّجَالِ
مَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُم، فَهُم يَدْخُلُونَ في هَذَا الوَعِيدِ بِلاَ شَكٍّ ﴿أَن
تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ﴾ [النور:
63]، فِتْنَةٌ في القُلُوبِ بِأَنْ يَصْرِفَ اللَّهُ قُلُوبَهُم، ويُصِيبَهُم
بِالزَّيْغِ والضَّلاَلِ؛ لأَِنَّهُم رَدُّوا حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله
عليه وسلم ورَدُّوا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَبَعًا
لِرَغَبَاتِهِم وأَهْوَائِهِم، كَمَا قَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿قُلۡ سِيرُواْ
فِي ٱلۡأَرۡضِ ثُمَّ ٱنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ ٱلۡمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام: 11]، فَمَنْ بَلَغَهُ الحَقُّ عَنِ اللَّهِ
ورَسُولِهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهُ تَبَعًا لِهَوَاهُ وشَهْوَتِهِ ورَغْبَتِهِ أو
إِرْضَاءً لأَِحَدٍ مِنَ النَّاسِ، فَإِنَّهُ يُصَابُ بِالزَّيْغِ كَمَا قَالَ
اللَّهُ تعالى: ﴿وَإِذَا
مَآ أُنزِلَتۡ سُورَةٞ نَّظَرَ بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٍ هَلۡ يَرَىٰكُم مِّنۡ
أَحَدٖ ثُمَّ ٱنصَرَفُواْۚ صَرَفَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٞ لَّا
يَفۡقَهُونَ﴾ [التوبة: 127]، لَمَّا
انْصَرَفُوا عَنْ كَلاَمِ اللَّهِ، وكَلاَمِ رَسُولِهِ، ولَم يَسْتَمِعُوا، صَرَفَ
اللَّهُ قُلُوبَهُم عَنِ الحَقِّ عُقُوبَةً لَهُم، فلا يَقْبَلُونَ الحَقَّ بَعْدَ
ذَلِكَ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تعالى يُزِيغُ قُلُوبَهُم، ويَخْتِمُ عَلَى قُلُوبِهِم
بِسَبَبِ أَنَّهُم أَعْرَضُوا عَنِ الحَقِّ في أَوَّلِ مَرَّةٍ بَعْدَ مَا
بَلَغَهُم، أَعْرَضُوا عَنْهُ.
هَذِهِ
خُطُورَةٌ عَظِيمَةٌ، فَكَم نَسْمَعُ من أَحَادِيثِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم
الصَّحِيحَةِ، ولَكِنْ مَا مَدَى أَخَذِنَا بِهَا والعَمَلِ؟ يَجِبُ أَنْ
نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا عَنْ ذَلِكَ، وأَنْ نَخْشَى مِنَ الزَّيْغِ، ونُحَذِّرُ
مِمَّا حَذَّرْنَا اللَّهَ مِنْهُ، ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن
تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ﴾ [النور:
63]، والفِتْنَةُ فِتْنَةُ القُلُوبِ بِالزَّيْغِ والانْصِرَافِ عَنِ الحَقِّ،
كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا
زَاغُوٓاْ أَزَاغَ ٱللَّهُ قُلُوبَهُمۡۚ وَٱللَّهُ