الإِسْلاَمِ، وهَذَا شَيْءٌ مُشَاهَدٌ، ولَم
يَكُنِ السَّبَبُ فِيهِ الإِرْهَابَ والانْتِقَامَ أو التَّرْغِيبَ بالمَالِ،
وإِنَّمَا كَانَ السَّبَبُ فِيهِ هَذَا الدِّينُ، كَمَا قَالَ الإِمَامُ مَالِكٌ:
لا يُصْلِحُ آخَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إلاَّ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا.
ثُمَّ
مَا لَبِثَتْ بِلاَدُ نَجْدٍ أَنْ أُصِيبَتْ بِشَيْءٍ مِنَ الفُتُورِ، ودَخَلَهَا
شَيْءٌ مِنَ التَّرَفِ والاشْتِغَالِ بِالدُّنْيَا، وهُنَا حَصَلَتْ لَهَا العُقُوبَةُ،
وتَسَلَّطَ عَلَيْهَا أَعْدَاؤُهَا وعَادَتِ الحَالَةُ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ
دَعْوَةِ الشَّيْخِ من حَيْثُ اخْتِلاَفِ النَّاسِ وتَقَاتُلِهِم، ثُمَّ عَادُوا
إِلَى اللَّهِ، فَعَادَتْ دَوْلَتُهُم، ثُمَّ حَصَلَ شَيْءٌ مِنَ الخَلَلِ
فَعَادَتِ الفَوْضَى والتَّفَرُّقُ والاخْتِلاَفُ، حَتَّى جَاءَ المَلِكُ عَبْدُ
العَزِيزِ رحمه الله، وسَارَ عَلَى الخَطِّ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ أَسْلاَفُهُ
مِنَ التَّوْحِيدِ، وجَمْعِ النَّاسِ تَحْتَ كَلِمَةِ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ،
فَعَادَتْ لِلمَرَّةِ الثَّالِثَةِ لِهَذِهِ البِلاَدِ دَوْلَتُهَا وعِزَّتُهَا -
ولِلَّهِ الحَمْدُ -، ونَرْجُو أَنْ يَزِيدَهَا جل وعلا مِنَ الخَيْرِ
والتَّوْفِيقِ والحِمَايَةِ لَهَا من أَعْدَائِهَا، وأَنْ يُوَفِّقَ اللَّهُ
هَذِهِ الدَّوْلَةَ - وُلاَةً ورَعِيَّةً - لِيَعْرِفُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِم،
ويَشْكُرُوا رَبَّهُم عَلَيْهَا.
فَهَذَا
الاجْتِمَاعُ المُبَارَكُ، وهَذَا الأَمْنُ والاسْتِقْرَارُ، لَم نَحْصُلْ
عَلَيْهِ بِأَمْوَالِنَا ولا بِجَاهِنَا وقُوَّتِنَا، إِنَّمَا حَصَلْنَا عَلَيْهِ
بِالشَّيْءِ الَّذِي حَصَلَ بِهِ صَدْرُ هَذِهِ الأُمَّةِ وهُوَ الدِّينُ، فَهُوَ
صِمَامُ الأَمْنِ والأَمَانِ ﴿أَنۡ أَقِيمُواْ ٱلدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُواْ فِيهِۚ﴾ [الشورى: 13].
بِهَذَا
الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ إِقَامَةُ الدِّينِ وعَدَمُ التَّفَرُّقِ فِيهِ، أَيْ:
أَنْ يَكُونَ الدِّينُ واحِدًا، فلا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ عِدَّةُ أَدْيَانٍ أو
مَذَاهِبَ أو فِرَقٍ، فَدِينُ اللَّه تعالى واحِدٌ لَيْسَ فِيهِ اخْتِلاَفٌ، قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَأَنَّ
هَٰذَا صِرَٰطِي مُسۡتَقِيمٗا فَٱتَّبِعُوهُۖ وَلَا تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ
فَتَفَرَّقَ بِكُمۡ عَن سَبِيلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ وَصَّىٰكُم بِهِۦ لَعَلَّكُمۡ
تَتَّقُونَ﴾ [الأنعام: 153].