الأَسْبَابِ، وإِلاَّ فالهِدَايَةُ والصَّلاَحُ
بِيَدِ اللَّهِ تعالى، فَإِذَا فَعَلْنَا أَسْبَابَ الصَّلاَحِ فاللَّهُ يُيَسِّرُ
النَّتَائِجَ، فَعَلَيْنَا أَنْ نُوجِدَ أَسْبَابَ الخَيْرِ في بُيُوتِنَا حَتَّى
يَنْشَأَ أَوْلاَدُنَا عَلَى الاسْتِقَامَةِ بِإِذْنِ اللَّهِ، ونَتَجَنَّبُ
الأَسْبَابَ القَبِيحَةَ حَتَّى يَبْتَعِدَ أَوْلاَدُنَا عَنِ الانْحِرَافِ والفَسَادِ،
وكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَلُومُونَ الشَّبَابَ إِذَا رَأَوْا مِنْهُم انْحِرَافًا،
ولا يَنْظُرُونَ إِلَى البُيُوتِ الَّتِي خَرَجُوا مِنْهَا.
فَلِمَاذَا
نَلُومُ الشَّبَابَ لاِنْحِرَافِهِم، ولا نَنْظُرُ إِلَى أَنَّهُم لَم يُوَجَّهُوا
التَّوْجِيهَ السَّلِيمَ، ولَم يَهْتَمَّ بِهِم آبَاؤُهُم، بَلْ رُبَّمَا يَكُونُ
الآبَاءُ هُم الَّذِينَ قَادُوا أَوْلاَدَهُم إِلَى الانْحِرَافِ في سُلُوكِهِم
وأَخْلاَقِهِم وتَعَامُلِهِم؟ فَلِكُلِّ شَيْءٍ سَبَبٌ، ولا يَكُونُ الأَوْلاَدُ
صَالِحِينَ إلاَّ بِفِعْلِ أَسْبَابِ الصَّلاَحِ.
تَرْجُو النَّجَاةَ ولَم تَسْلُكْ مَسَالِكِهَا؟ **** إِنَّ
السَّفِينَةَ لا تَجْرِي عَلَى اليَبَسِ
فلا
بُدَّ مِنَ الأَخْذِ بالأَسْبَابِ، فَإِذَا اشْتَكَى بَعْضُ الآبَاءِ من
انْحِرَافِ أَبْنَائِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ قَدْ نَسِيَ أَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ في
هَذَا الانْحِرَافِ، وأَنَّ هَذَا عُقُوبَةٌ مِنَ اللَّهِ تعالى لَهُ، فَإِنَّ
اللَّهَ تعالى يَأْمُرُ الأَبْنَاءَ بِأَنْ يُحْسِنُوا إِلَى آبَائِهِم عِنْدَ
الكِبَرِ؛ لأَِنَّهُم أَحْسَنُوا إِلَيْهِم عِنْدَ الصِّغَرِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَقُل رَّبِّ ٱرۡحَمۡهُمَا
كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرٗا﴾
[الإسراء: 24].
أَتظُنُّون
أَنَّ المُرَادَ بِالتَّرْبِيَةِ هُنَا التَّرْبِيَةُ الحَيَوَانِيَّةُ فَقَطْ،
كَالرَّضَاع والطَّعَامِ والشَّرَابِ والكُسْوَةِ؟ لا إِنَّمَا المَقْصُودُ هُنَا
التَّرْبِيَةُ الخُلُقِيَّةُ، لأَِنَّهَا أَعْظَمُ من تَرْبِيَةِ الجِسْمِ، إلاَّ
أَنَّ بَعْضَ الآبَاءِ يُرَبِّي أَوْلاَدَهُ تَرْبِيَةً جِسْمِيَّةً فَقَطْ،
ويَظُنُّ بِذَلِكَ أَنَّهُ رَبَّاهُم، وأَحْسَنَ إِلَيْهِم، وهُوَ بِهَذَا لَم
يُحْسِنْ إِلَيْهِم، بَلْ إِنَّهُ أَسَاءَ لأَِنَّهُ مَكَّنَهُم مِنَ الشَّهَوَاتِ
البَهِيمِيَّةِ والتَّرَفِ والفَرَاغِ، ومَلَأَ جُيُوبَهُم بِالنُّقُودِ،
والشَّاعِرُ يَقُولُ:
إِنَّ الشَّبَابَ والفَرَاغَ والجَدَهْ **** مَفْسَدَةٌ لِلمَرْءِ أَيَّ مُفْسِدَهْ