×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

تَسْتَطِيعَ؛ لأَِنَّ فِطْرَتَهُ قَدْ فَسَدَتْ، أَمَّا مَعَ التَّعَاهُدِ الحَسَنِ والتَّرْبِيَةِ الطَّيِّبَةِ فَتَبْقَى فِطْرَتُهُ سَلِيمَةٌ، وعِنْدَ ذَلِكَ يَقْبَلُ كُلَّ تَوْجِيهٍ طَيِّبٍ يَقُولُ الشَّاعِرُ:

إِنَّ الغُصُونَ إِذَا عَدَّلْتَهَا اعْتَدَلَتْ **** ولا تَلِينُ إِذَا كَانَتِ الخَشَبُ

فالغُصُونُ مَا دَامَتْ لَيِّنَةً وصَغِيرَةً يُمْكِنُ تَعْدِيلُهَا عَلَى مَا يُرِيدُ الإِنْسَانُ مِنْهَا، لَكِنْ إِذَا صَارَتْ مِنَ الخَشَبِ فَلَنْ يُسْتَطَاعَ تَعْدِيلُهَا، وكَذَلِكَ الشَّبَابُ إِذَا حَصَلَ عِنَايَةٌ مُبَكِّرَةٌ بِهِم سَهُلَ قِيَادَتُهُم، وسَلِمَتْ فِطْرَتُهُم، وقَبِلُوا، أَمَّا إِذَا أُهْمِلَ الشَّبَابُ حَتَّى تَتَلَوَّثَ فِطْرَتُهُم فَإِنَّ العِلاَجَ يَصْعُبُ حِينئِذٍ، ومِنْ هُنَا يَجِبُ عَلَى الوَالِدَيْنِ أَنْ يَكُونا قُدْوَةً صَالِحَةً لأَِوْلاَدِهِمَا، فلا يَرَوْنَ مِنْهُم إلاَّ خَيْرًا، ولا يَسْمَعُونَ مِنْهُم إلاَّ الطِّيبَ، حَتَّى يَقْتَدُوا بِهِم؛ لأَِنَّ الوَلَدَ يَنْشَأُ عَلَى مَا عَوَّدَهُ أَبُوهُ، قَال الشَّاعِرُ:

ويَنْشَأُ نَاشِئُ الفِتْيَانِ مِنَّا **** عَلَى مَا كَانَ عَوَّدَهُ أَبُوهُ

ويَقُولُ الآخَرُ:

إِذَا كَانَ رَبُّ البَيْتِ بَالطَّارِ مُولَعًا **** فَشِيمَةُ أَهْلِ البَيْتِ كُلُهُم الرَّقْصُ

لأَِنَّهُم يَقْتَدُونَ بِعَائِلِهِم وقَائِدِهِم، فَإِذَا رَأَوْا فِيهِ انْحِرَافًا في القَوْلِ أو السُّلُوكِ فَإِنَّهُم يُقَلِّدُونَهُ، وإِذَا رَأَوْا فِيهِ اسْتِقَامَةً في القَوْلِ والعَمَلِ فَإِنَّهُم يَقْتَدُونَ بِهِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَٱتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ [الطور: 21].

فَصَلاَحُ الآبَاءِ لَهُ أَثَرُهُ عَلَى الأَبْنَاءِ بِلاَ شَكٍّ، وإِذَا كَانَتِ البُيُوتُ مَمْلُوءَةً بِالصُّوَرِ المَاجِنَةِ، والأَفْلاَمِ الخَلِيعَةِ، والمَنَاظِرِ السَّيِّئَةِ، والعَادَاتِ القَبِيحَةِ، فَمَا ظَنُّكُم بالأَوْلاَدِ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ من هَذِهِ البُيُوتِ؟ إِنَّهُم سَيَكُونُونَ بِلاَ شَكٍّ أَجْيَالاً مُنْحَرِفَةً، وهَذَا بِخِلاَفِ البُيُوتِ المَعْمُورَةِ بِالطَّاعَةِ والخَيْرِ والعِبَادَةِ والاسْتِقَامَةِ، فَإِنَّ الأَوْلاَدَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْهَا سَيَكُونُونَ - بِإِذْنِ اللَّهِ - عَلَى الاسْتِقَامَةِ، ونَحْنُ مَأْمُورُونَ بِفِعْلِ


الشرح