×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

مُقَوِّمَاتُهَا وقُوَّتُهَا ومَهَابَتُهَا، ومِنْ هُنَا يَجِبُ العِنَايَةُ بِالشَّبَابِ من نَاحِيَةِ آبَائِهِم، ومِنْ نَاحِيَةِ المَسْؤُولِينَ، ومِنْ نَاحِيَةِ عُمُومِ المُجْتَمَعِ، فَيَجِبُ أَنْ يَتَعَاوَنَ المُجْتَمَعُ عَلَى تَوْجِيهِ الشَّبَابِ نَحْوَ الخَيْرِ، كُلٌّ عَلَى حَسَبِ مَسْئُولِيَّتِهِ.

فالشَّبَابُ كَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَكَيَّفُونَ بِتَكْيِيفِ البِيئَةِ الَّتِي يَعِيشُونَ فِيهَا، فَيَتَأَثَّرُونَ بالخَيْرِ والشَّرِّ الَّذِي في بُيُوتِهِم ومُجْتَمَعِهِم، ولِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» ([1]).

فالشَّابُّ أو المَوْلُودُ إِنَّمَا يَنْحَرِفُ عَنْ فِطْرَتِهِ السَّوِيَّةِ بِسَبَبِ انْحِرَافِ التَّرْبِيَةِ، وانْحِرَافِ البِيئَةِ الَّتِي يَعِيشُ فِيهَا، أَمَّا إِذَا وجَدَ المُجْتَمَعَ وأَهْلَهُ مُسْلِمِينَ مُسْتَقِيمِينَ عَلَى الطَّاعَةِ، فَإِنَّ فِطْرَتَهُ تَسْلَمُ وتَنْشَأُ عَلَى الخَيْرِ؛ لأَِنَّ الفِطْرَةَ مِثْل التُّرْبَةِ الصَّالِحَةِ، فَهِيَ صَالِحَةٌ لِلبُذُورِ والإِنْبَاتِ، وإِذَا أُهْمِلَتْ أو أُدْخِلَ عَلَيْهَا مَوَادٌّ فَاسِدَةٌ فَسَدَتْ، مِثْلُ الأَرْضِ الَّتِي تَحَوَّلَتْ إِلَى سَبْخَةٍ لا تُنْبِتُ كَلَأًولا تُمْسِكُ مَاءً، وقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم في هَذَا الحَدِيثِ: «فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ»، ولَمْ يَقُلْ: يُسْلِمَانِهِ؛ لأَِنَّ الأَصْلَ هُوَ الإِسْلاَمُ، وهُوَ قَدْ وُلِدَ عَلَى الأَصْلِ، فَلَوْ حُوفِظَ عَلَى فِطْرَتِهِ ونُمِّيَتْ في الخَيْرِ لَسَلِمَتْ، ولَكِنْ حِينَمَا تُعَارِضُ الفِطْرَةُ بِيئَةً فَاسِدَةً، أو تَوْجِيهَاتٍ مُنْحَرِفَةً، فَإِنَّهَا تَفْسُدُ حِينئِذٍ ويَصْعُبُ عِلاَجُهَا.

فَأَنْتَ حِينَمَا تُنْشِئُ ولَدَكَ عَلَى الطَّاعَةِ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِنَّهُ يَسْهُلُ عَلَيْكَ أَخْذُهُ إِلَى الخَيْرِ، أَمَّا إِذَا أَهْمَلْتَهُ في أَوَّلِ الأَمْرِ، وأَرَدْتَ أَنْ تَسْتَدْرِكَ فَلَنْ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (1358)، مسلم رقم (2658).