والرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لَمَّا بَلَغَهُ
أَنَّ ثَلاَثَةً من شَبَابِ الصَّحَابَةِ أَرَادُوا أَنْ يَجْتَهِدُوا في
العِبَادَةِ، وأَنْ يَشُقُّوا عَلَى أَنْفُسِهِم، فَقَالَ أَحَدُهُم: أَنَا
أَصُومُ ولا أَفْطُرُ، وقَالَ الآخَرُ: أَنَا أُصَلِّي ولا أَنَامُ، وقَالَ
الثَّالِثُ: أَنَا لا أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَلَمَّا بَلَغَهُ صلى الله عليه
وسلم ذَلِكَ غَضِبَ غَضَبًا شَدِيدًا، وقَالَ لَهُم: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي
لَأَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لِلهِ، وإِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي
وَأَنَامُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي»
([1])،
فَعَلَى الشَّبَابِ أَنْ يَعْتَدِلُوا في القَوْلِ والعَمَلِ.
خَامِسًا:
عَلَى الشَّبَابِ - وفَّقَهُم اللَّهُ - أَنْ يَجْتَنِبُوا قُرَنَاءَ السُّوءِ؛
لأَِنَّهُم يَحْمِلُونَ أَفْكَارًا مُنْحَرِفَةً وإِنْ تَظَاهَرُوا بِالصَّلاَحِ
والإِصْلاَحِ والدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ، فَعَلَى شَبَابِنَا أَنْ يَحْذَرُوا
قُرَنَاءَ السُّوءِ، وأَصْحَابَ البِدَعِ، والأَفْكَارَ المُنْحَرِفَةِ، إِلاَّ
إِذَا كَانَ الغَرَضُ من مُجَالَسَتِهِم هُوَ دَعْوَتُهُم إِلَى اللَّهِ تعالى،
وهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَقْدِرَةٌ عِلْمِيَّةٌ
واسْتِطَاعَةٌ لِمُجَادَلَتِهِم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، أَمَّا الَّذِي لا يُحْسِنُ
هَذِهِ المُجَادَلَةَ، أو الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ عِلْمٌ، فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ
يَحْذَرَ مِنْهُم ومِنْ مُجَالَسَتِهِم؛ لأَِنَّهُم يُؤَثِّرُونَ عَلَى
جُلَسَائِهِم، فَعَلَى الشَّبَابِ أَنْ يُجَالِسُوا أَهْلَ الصَّلاَحِ
والاسْتِقَامَةِ، الَّذِينَ يَعْرِفُونَ أَصْلَهُم وعَقِيدَتَهُم، وأَهْل العِلْمِ
النَّافِعِ المَعْرُوفِينَ بِذَلِكَ.
وقَدْ شَبَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الجَلِيسَ الصَّالِحَ بِحَامِلِ المِسْكِ، فَإِذَا جَلَسَتْ إِلَى حَامِلِ المِسْكِ فَإِنَّكَ لا تَفْقِدُ الفَائِدَةَ، إِمَّا بِالرَّائِحَةِ الطَّيِّبَةِ، وإِمَّا أَنْ تَشْتَرِيَ مِنْهُ، وإِمَّا أنْ يُعْطِيَكَ مِنَ المِسْكِ، وكَذَلِكَ الجَلِيسُ الصَّالِحُ والعَالمُ العَامِلُ بِعِلْمِهِ، المُسْتَقِيمُ في سُلُوكِهِ، لا تَفْقِدُ الفَائِدَةَ من مُجَالَسَتِهِ،
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4776)، ومسلم رقم (1401).