×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

وقَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱسۡتَعِينُواْ بِٱلصَّبۡرِ وَٱلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ [البقرة: 153].

فالصَّلاَةُ فِيهَا سِرٌّ عَظِيمٌ؛ ولِذَلِكَ وجَّهَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الآبَاءَ أَنْ يَأْمُرُوا أَوْلاَدَهُم بِهَا في وقْتٍ مُبَكِّرٍ؛ لِيَعْتَادُوهَا ويَأْلَفُوهَا ويَنْشَئُوا عَلَيْهَا، ولأَِنَّهَا تَحْفَظُهُم، وتُطَهِّرُ قُلُوبَهُم، وتَرْبِطُهُم بالمَسْجِدِ وبِالْعِبَادَةِ وبِالْمُجْتَمَعِ المُسْلِمِ، فالشَّبَابُ عِنْدَمَا يُلاَزِمُ أَبَاهُ، ويُلاَزِمُ جَمَاعَةَالمُسْلِمِينَ في وقْتٍ مُبَكِّرٍ، فَإِنَّهُ يَنْشَأُ عَلَى الاجْتِمَاعِ، وتَرْكِ الشُّذُوذِ والانْفِرَادِ، وكَذَلِكَ عَلَى الأُلْفَةِ، فَيَأْلَفُ الكِبَارَ، ويَتَعَوَّدُ الجُلُوسَ مَعَهُم ومُصَاحَبَتَهُم، ويَسْلَمُ من النّفْرَةِ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الشَّبَابِ اليَوْمَ مَا حَصَلَتْ مِنْهُم النّفْرَةُ من كِبَارِ السِّنِّ ومِنْ آبَائِهِم إلاَّ بِسَبَبِ الإِهْمَالِ؛ لأَِنَّ آبَاءَهُم تَرَكُوهُم كَالْبَهَائِمِ تَدْخُلُ وتَخْرُجُ لِلرَّعْيِ، ولا حِسَابَ عَلَيْهِم في دُخُولِهِم وخُرُوجِهِم.

فَكَثِيرٌ مِنَ الآبَاءِ مَشْغُولٌ بِدُنْيَاهُ وأَعْمَالِهِ ووَظِيفَتِهِ وأَسْفَارِهِ، ولا يَعْرِفُ عَنْ أَوْلاَدِهِ إلاَّ أَنَّهُم يَخْرُجُونَ مِنَ البَيْتِ في أَوَّلِ النَّهَارِ، ويَعُودُونَ إِلَيْهِ في اللَّيْلِ، ورُبَّمَا في وقْتٍ مُتَأَخِّرٍ مِنْهُ، ولا يَدْرِي أَيْنَ ذَهَبُوا؟ أو أَيْنَ سَرَحُوا؟ ولِذَلِكَ نَشَأَ كَثِيرٌ مِنَ الأَوْلاَدِ عَلَى النّفْرَةِ مِنَ الكِبَارِ ومِنَ المَسَاجِدِ واسْتِمَاعِ الذِّكْرِ، بِسَبَبِ إِهْمَالِ آبَائِهِم.

مَا ظَنُّكُم لَوْ أَنَّ الآبَاءَ قَدْ أَخَذُوا أَوْلاَدَهُم من سِنِّ التَّمْيِيزِ إِلَى المَسَاجِدِ، وسَمِعُوا القُرْآنَ والمَوَاعِظَ؟ لَوْ فَعَلُوا ذَلِكَ لَنَشَئُوا عَلَيْهِ، وأَلِفُوهُ وأَحَبُّوهُ؛ فَغَالِبُ أَسْبَابِ نفْرَةِ الشَّبَابِ اليَوْمَ من آبَائِهِم ومِنْ مُجْتَمَعِهِم لأَِنَّهُم ضَيَّعُوهُم، ولَم يَرْبطُوهُم بالمَسَاجِدِ ودِرَاسَةِ القُرْآنِ وحُضُورِ حِلَقِ الذِّكْرِ ومَجَالِسِ الخَيْرِ.

فَلَوْ أَنَّ الآبَاءَ قَدْ أَخَذُوا بِتَوْجِيهَاتِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَارُوا يَأْخُذُونَ أَوْلاَدَهُم في سِنِّ التَّمْيِيزِ إِلَى المَسَاجِدِ خَمْسَ مَرَّاتٍ في اليَوْمِ واللَّيْلَةِ،


الشرح