×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

«مَا قُتِلَت نَفْسٌ ظُلْمًا إلاَّ كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا، فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ» ([1])، وذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَةِ حُرْمَةِ المُؤْمِنِ عِنْدَ اللَّهِ تعالى.

أَمَّا حُكْمُ القَاتِلِ في الدُّنيا فَإِنَّ اللَّهَ تعالى أَمَرَ بالقِصَاصِ مِنْهُ، وذَلِكَ بِأَنْ يُقْتَلَ القَاتِلُ حِفظًا لِلدِّمَاءِ، وصِيَانَةً لِلأَنفُسِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ [البقرة: 178]، وكُتِبَ مَعْنَاهُ: فُرِضَ، فَقَتْل القَاتِلِ فَرْضٌ إلاَّ إِذَا عَفَا ولِيُِّ الدَّمِ عَنِ القِصَاصِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلۡقِصَاصُ فِي ٱلۡقَتۡلَىۖ ٱلۡحُرُّ بِٱلۡحُرِّ وَٱلۡعَبۡدُ بِٱلۡعَبۡدِ وَٱلۡأُنثَىٰ بِٱلۡأُنثَىٰۚ فَمَنۡ عُفِيَ لَهُۥ مِنۡ أَخِيهِ شَيۡءٞ فَٱتِّبَاعُۢ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيۡهِ بِإِحۡسَٰنٖۗ [البقرة: 178] إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ [البقرة: 179].

وهَذَا بَيَانٌ لِلحِكْمَةِ الإِلَهِيَّةِ في تَشْرِيعِ القِصَاصِ، لأَِنَّهُ بالقِصَاصِ تَحْصُلُ حَيَاةُ المُجْتَمَعِ، فَإِذَا قُتِلَ القَاتِلُ فَإِنَّ النَّاسَ يَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِهِم وأَنْفُسِهِم، أَمَّا إِذَا لَم يُقْتَل القَاتِلُ فَإِنَّ هَذَا يُصْبِحُ خَطَرًا عَلَى المُجْتَمَعِ، وقَدْ جَعَلَ اللَّهُ القِصَاصَ حَيَاةً، لأَِنَّهُ يُسَبِّبُ الحَيَاةَ وإِنْ كَانَ مَوْتًا لِلمُقْتَصِّ مِنْهُ، لَكِنَّهُ حَيَاةٌ لِلبَقِيَّةِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَلَكُمۡ فِي ٱلۡقِصَاصِ حَيَوٰةٞ يَٰٓأُوْلِي ٱلۡأَلۡبَٰبِ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ [البقرة: 179] وكَانُوا في الجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: «القَتْلُ أَنْفَى لِلقَتْلِ»، يَعْنِي: قَتْل الجَانِي أَنْفَى لِقَتْلِ الآخَرِينَ، بِمَعْنَى: أَنَّهُ يَمْنَعُ قَتْل الآخَرِينَ.

ولَكِنَّ اللَّهَ عز وجل جَاءَ بِعِبَارَةٍ يَعْجَزُ عَنْهَا البَشَرُ، فَفِي القِصَاصِ حِمَايَةٌ لِلنُّفُوسِ البَرِيئَةِ مِنَ الاعْتِدَاءِ عَلَيْهَا، وفِيهِ مَنْعُ أَذَى العَابِثِينَ والمُجْرِمِينَ من سَفْكِ الدِّمَاءِ، وهَذَا واقِعٌ مُشَاهَدٌ في البِلاَدِ الَّتِي يُقْتَصُّ فِيهَا مِنَ القَاتِلِ،


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (3158)، ومسلم رقم (1677).