كَذَلِكَ حِفْظُ الدِّينِ يَعْنِي الدَّعْوَةَ إِلَيْهِ؛
لأَِنَّهُ الدِّينُ الحَقُّ، ودَيْنُ النَّجَاةِ، فَإِذَا تَرَكْنَا العَالَمَ
يَمُوجُ في كُفْرِهِ وإِلْحَادِهِ ولَم نَدْعُهُم إِلَى الإِسْلاَمِ فَإِنَّنَا
نَكُونُ أَهْمَلْنَا الوَاجِبَ نَحْوَ هَذَا الدِّينِ؛ لأَِنَّ الدِّينَ لا
يُنْشَرُ إلاَّ بِأَمْرَيْنِ، وهُمَا:
الدَّعْوَةُ
إِلَيْهِ، والجِهَادُ في سَبِيلِهِ، كَمَا فَعَلَ سَلَفُ هَذِهِ الأُمَّةِ
الَّذِينَ قَادُوا الجُيُوشَ الإِسْلاَمِيَّةَ، وفَتَحُوا المَشَارِقَ
والمَغَارِبَ، ودَخَلَ النَّاسُ في دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا رَاغِبِينَ
مُخْتَارِينَ، وانْتَشَرَ هَذَا الدِّينُ بِسَبَبِ دَعْوَتِهِم وجِهَادِهِم؛
لِذَلِكَ يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُوَاصِلَ خُطَّتَهُم حَسَبَ اسْتِطَاعَتِنَا
بِالدَّعْوَةِ إِلَى الدِّينِ أَوَّلاً، وإِقَامَةِ الحُجَّةِ، ثُمَّ الجِهَادِ
لِمَنْ عَانَدَ وأَبَى إلاَّ الكُفْرَ، ولِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم يُوصِي قوّادِهِ بِالدَّعْوَةِ إِلَى الإِسْلاَمِ أَوَّلاً ثُمَّ القِتَالِ
بَعْدَ الدَّعْوَةِ، وهَذَا واجِبُ المُسْلِمِينَ في كُلِّ زَمَانٍ ومَكَانٍ.
فالاِتِّبَاعُ
لِلمُهَاجِرِينَ والأَنْصَارِ لَيْسَ فَقَطْ في أَدَاءِ العِبَادَةِ، وتَرْكِ
المُحَرَّمَاتِ، ولَكِنْ يَكُونُ أَيْضًا بِالدَّعْوَةِ إِلَى هَذَا الدِّينِ،
والجِهَادِ في سَبِيلِ اللَّهِ عز وجل بِالنَّشْرِ لِهَذَا الدِّينِ، ورَدِّ
عُدْوَانِ المُعْتَدِينَ، فَكُلُّ هَذَا من حِفْظِ الدِّينِ.
وإِمَامُ
دَارِ الهِجْرَةِ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ رحمه الله يَقُولُ: «لا يُصْلِحُ آخَرَ هَذِهِ الأُمَّةِ إلاَّ مَا أَصْلَحَ أَوَّلَهَا»،
يَعْنِي: عِنْدَ ظُهُورِ الفَسَادِ والاخْتِلاَفِ، وظُهُورِ الفِرَقِ
والجَمَاعَاتِ والأَحْزَابِ، وذَلِكَ يَكُونُ بِالتَّمَسُّكِ بِكِتَابِ اللَّهِ
وسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم ونَبْذِ البِدَعِ والخُرَافَاتِ، والأَمْرِ
بالمَعْرُوفِ، والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ، والدَّعْوَةِ إِلَى سَبِيلِ اللَّهِ
بالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ، والجِهَادِ في سَبِيلِ اللَّهِ، فَهَذَا
الَّذِي يُصْلِحُ أَوَّلَ الأُمَّةِ وآخِرَهَا.