×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

5- والإِيمَانُ باليَوْمِ الآخِرِ، يَعْنِي: التَّصْدِيقُ بِكُلِّ«مَا يَكُونُ بَعْدَ المَوْتِ» مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ ورَسُولُهُ من عَذَابِ القَبْرِ ونَعِيمِهِ والبَعْثِ مِنَ القُبُورِ والحَشْرِ والحِسَابِ ووَزْنِ الأَعْمَالِ وإِعْطَاءِ الصُّحُفِ باليَمِينِ أو الشّمَالِ والصِّرَاطِ والجَنَّةِ والنَّارِ، والاسْتِعْدَادِ لِذَلِكَ بالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ وتَرْكِ الأَعْمَالِ السَّيِّئَةِ والتَّوْبَةِ مِنْهَا.

وقَدْ كَفَرَ باليَوْمِ الآخِرِ الدَّهْرِيُّونَ والمُشْرِكُونَ، واليَهُودُ والنَّصَارَى لَم يُؤْمِنُوا بِهِ الإِيمَانَ الصَّحِيحَ المَطْلُوبَ، وإِنْ آمَنُوا بِوُقُوعِهِ ﴿وَقَالُواْ لَن يَدۡخُلَ ٱلۡجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوۡ نَصَٰرَىٰۗ [البقرة: 111] ﴿وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا ٱلنَّارُ إِلَّآ أَيَّامٗا مَّعۡدُودَةٗۚ [البقرة: 80].

6- والإِيمَانُ بالقَدَرِ، يَعْنِي: الإِيمَانَ بِأَنَّ اللَّهَ عَلِمَ كُلَّ شَيْءٍ مَا كَانَ ومَا يَكُونُ، وقَدَّرَ ذَلِكَ في اللَّوْحِ المَحْفُوظِ، وأَنَّ كُلَّ«مَا يَجْرِي من خَيْرٍ وشَرٍّ» وكُفْرٍ وإِيمَانٍ وطَاعَةٍ ومَعْصِيَةٍ فَقَدْ شَاءَهُ اللَّهُ وقَدَّرَهُ وخَلَقَهُ، وأَنَّهُ يُحِبُّ الطَّاعَةَ ويَكْرَهُ المَعْصِيَةَ، ولِلْعِبَادِ قُدْرَةٌ عَلَى أَفْعَالِهِم واخْتِيَارٌ وإِرَادَةٌ لِمَا يَقَعُ مِنْهُم من طَاعَةٍ أو مَعْصِيَةٍ، لَكِنْ ذَلِكَ تَابعٌ لِإِرَادَةِ اللَّهِ ومَشِيئَتِهِ خِلاَفًا لِلجَبْرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ العَبْدَ مُجْبَرٌ عَلَى أَفْعَالِهِ لَيْسَ لَهُ اخْتِيَارٌ، ولِلْقَدَرِيَّةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّ العَبْدَ لَهُ إِرَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ، وأَنَّهُ يَخْلُقُ فِعْلَ نَفْسِهِ دُونَ إِرَادَةِ اللَّهِ ومَشِيئَتِهِ.

وقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ في قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا تَشَآءُونَ إِلَّآ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُۚ [الإنسان: 30]، فَأَثْبَتَ لِلعَبْدِ مَشِيئَةً رَدًّا عَلَى الجَبْرِيَّةِ الغُلاَةِ، وجَعَلَهَا تَابِعَةً لِمَشِيئَةِ اللَّهِ ردًّا عَلَى القَدَرِيَّةِ النُّفَاةِ، والإِيمَانُ بالقَدرِ يُكْسِبُ العَبْدَ صَبْرًا عَلَى المَصَائِبِ، وابْتِعَادًا عَنِ الذُّنُوبِ والمْعَائب، كَمَا يَدْفَعُهُ إِلَى العَمَلِ، ويُبْعِدُ عَنْهُ العَجْزَ والخَوْفَ والكَسَلَ.


الشرح