حُرُوفُهُ ومَعَانِيهِ، خلاَفًا لِلجهْمِيَّةِ
والمُعْتَزِلَةِ القَائِلِينَ بِأَنَّ القُرْآنَ مَخْلُوقٌ كُلُّهُ حُرُوفُهُ
ومَعَانِيهِ، وخِلاَفًا لِلأَشَاعِرَةِ ومَنْ شَابَهَهُم القَائِلِينَ بِأَنَّ
كَلاَمَ اللَّهِ هُوَ المَعَانِي، وأَمَّا الحُرُوفُ فَهِيَ مَخْلُوقَةٌ وكِلاَ
القَوْلَينِ بَاطِلٌ، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِنۡ أَحَدٞ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ
فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ﴾
[التوبة: 6] ﴿يُرِيدُونَ
أَن يُبَدِّلُواْ كَلَٰمَ ٱللَّهِۚ﴾
[الفتح: 15] فَهُوَ كَلاَمُ اللَّهِ لا كَلاَمُ غَيْرِهِ.
4-
والإِيمَانُ بِالرُّسُلِ، يَعْنِي: التَّصْدِيقُ بِهِم جَمِيعًا، من سَمَّى
اللَّهُ مِنْهُم ومَنْ لَم يُسَمِّ، من أَوَّلِهِم إِلَى آخِرِهِم، وآخِرُهُم
وخَاتَمُهُم نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وعَلَيْهِم أَفْضَلُ الصَّلاَةِ
والسَّلاَمِ، والإِيمَانُ بِالرُّسُلِ إِيمَانٌ مُجْمَلٌ، والإِيمَانُ
بِنَبِيِّنَا مُحَمَّد ٍ صلى الله عليه وسلم إِيمَانٌ مُفَصَّلٌ، واعْتِقَادٌ
أَنَّهُ خَاتَمُ الرُّسُلِ فلا نَبِيَّ بَعْدَهُ، ومَنْ لَم يَعْتَقِدْ ذَلِكَ
فَهُوَ كَافِرٌ.
والإِيمَانُ
بِالرُّسُلِ، يَعْنِي: أَيْضًا عَدَمَ الإِفْرَاطِ
والتَّفْرِيطِ في حَقِّهِم خِلاَفًا لِليَهُودِ والنَّصَارَى الَّذِينَ غَلُوا
وأَفْرَطُوا في بَعْضِ الرُّسُلِ حَتَّى جَعَلُوهُم أَبْنَاءَ اللَّهِ كَمَا قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَقَالَتِ
ٱلۡيَهُودُ عُزَيۡرٌ ٱبۡنُ ٱللَّهِ وَقَالَتِ ٱلنَّصَٰرَى ٱلۡمَسِيحُ ٱبۡنُ ٱللَّهِۖ﴾ [التوبة: 30]، والصُّوفِيَّةُ والفَلاَسِفَةُ فَرَّطُوا
في حَقِّ الرُّسُلِ وتَنَقَّصُوهُم وفَضَّلُوا أَئِمَّتَهُم عَلَيْهِم،
والوَثَنِيُّونَ والمَلاَحِدَةُ كَفَرُوا بِجَمِيعِ الرُّسُلِ، واليَهُودُ
كَفَرُوا بِعِيسَى ومُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ والسَّلاَمُ، والنَّصَارَى
كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ومَنْ آمَنَ بِبَعْضِهِم وكَفَرَ
بِبَعْضِهِم فَهُوَ كَافِرٌ بالجَمِيعِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكۡفُرُونَ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ
وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرِّقُواْ بَيۡنَ ٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ
وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ١٥٠أُوْلَٰٓئِكَ
هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا ١٥١﴾ [النساء: 150- 151]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿لَا نُفَرِّقُ
بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ﴾
[البقرة: 285].