تكَاسُلاً - فَإِنَّهُم لا يَحْكُمُونَ عَلَى
مُرْتَكِبِهَا - أَي الكَبَائِر - بالكُفْرِ، وإِنَّمَا يَحْكُمُونَ عَلَيْهِ
بالفِسْقِ ونَقْصِ الإِيمَانِ، وإِذَا لَم يَتُبْ مِنْهَا فَإِنَّهُ تَحْتَ
المَشِيئَةِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَفَرَ لَهُ وإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ، لَكِنَّهُ لا
يَخْلُدُ في النَّارِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَغۡفِرُ أَن يُشۡرَكَ بِهِۦ
وَيَغۡفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَآءُۚ﴾
[النساء: 48].
ومَذْهَبُ
أَهْلِ السُّنَّةِ في ذَلِكَ وسطٌ بَيْنِ الخَوَارِجِ الَّذِينَ يُكَفِّرُونَ
مُرْتَكِبَ الكَبِيرَةِ إِنْ كَانَتْ دُونَ الشِّرْكِ، وبَيْنَ المُرْجِئَةِ
الَّذِينَ يَقُولُونَ: هُوَ مُؤْمِنٌ كَامِل الإِيمَانِ، ويَقُولُونَ: لا يَضُرُّ
مَعَ الإِيمَانِ مَعْصِيَةٌ كَمَا لا يَنْفَعُ مَعَ الكُفْرِ طَاعَةٌ.
الأَصْلُ الرَّابِعُ
****
ومِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ وُجُوبُ طَاعَةِ وُلاَةِ أُمُورِ المُسْلِمِينَ مَا لَم يَأْمُرُوا بِمَعْصِيَةِ، فَإِذَا أَمَرُوا بِمَعْصِيَةٍ فلا تَجُوزُ طَاعَتَهُم فِيهَا، وتَبْقَى طَاعَتُهُم بالمَعْرُوفِ في غَيْرِهَا عَمَلاً بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡۖ﴾ [النساء: 59]، وقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، وَإِنْ تَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ» ([1])، ويَرَوْنَ الصَّلاَةَ خَلْفَهُم، والجِهَادَ مَعَهُم، والدُّعَاءَ لَهُم بِالصَّلاَحِ والاسْتِقَامَةِ ومُنَاصَحَتَهُم.
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4607)، والترمذي رقم (2676)، وابن ماجه رقم (42)، وأحمد رقم (17142).