×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

قَالَ الرَّاوِي: لا أَدْرِي ذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أو ثَلاَثَة، وذَلِكَ لِوَفْرَةِ العُلَمَاءِ مِنَ المُحدِّثِينَ والمُفَسِّرِينَ والفُقَهَاءِ بِمَا فِيهِم عُلَمَاءُ التَّابِعِينَ وأَتْبَاعُ التَّابِعِينَ والأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وتَلاَمِيذُهُم، ولِقُوَّةِ دَوْلَةِ الإِسْلاَمِ في تِلْكَ القُرُونِ، فَكَانَتِ الفِرْقَةُ المُخَالِفَةُ تَجِدُ الجَزَاءَ الرَّادِعَ بالحُجَّةِ والقُوَّةِ، وبَعْدَ انْقِضَاءِ عَصْرِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ اخْتَلَطَ المُسْلِمُونَ بِغَيْرِهِم من أَصْحَابِ الدِّيَانَاتِ المُخَالِفَةِ، وعُرِّبَتْ عُلُومُ أَهْلِ المِلَلِ الكَافِرَةِ، واتَّخَذَ مُلُوكُ الإِسْلاَمِ بَعْضَ البِطَانَاتِ من أَهْلِ الكُفْرِ والضَّلاَلِ، فَصَارَ مِنْهُم الوُزَرَاءُ والمُسْتَشَارُونَ، فَاشْتَدَّ الخِلاَفُ وتَعَدَّدَتِ الفِرَقُ والنِّحَلُ ونَجَمَت المَذَاهِبُ البَاطِلَةُ، ولا يَزَالُ ذَلِكَ مستمِرَّا إِلَى وقْتِنَا هَذَا وإِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ.

ولَكِنْ بِحَمْدِ اللَّهِ بَقِيَتِ الفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ أَهْلُ السُّنَّةِ والجَمَاعَةِ مُتَمَسِّكَة بالإِسْلاَمِ الصَّحِيحِ تَسِيرُ عَلَيْهِ وتَدْعُو إِلَيْهِ، ولا تَزَالُ بِحَمْدِ اللَّهِ مِصْدَاقًا لِمَا أَخْبَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم من بَقَاءِ هَذِهِ الفِرْقَةِ واسْتِمْرَارِهَا وصُمُودِهَا، وذَلِكَ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ من أَجْلِ بَقَاءِ هَذَا الدِّينِ وإِقَامَةِ الحُجَّةِ عَلَى المُعَانِدِينَ.

إِنَّ هَذِهِ الطَّائِفَةَ المُبَارَكَةَ تُمَثِّلُ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ مَعَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم في القَوْلِ والعَمَلِ والاعْتِقَادِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «هُمْ مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ اليَوْمَ وَأَصْحَابِي» ([1])، إِنَّهُم بَقِيَّةٌ صَالِحَةٌ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ فِيهِم: ﴿فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ [هود: 116].


الشرح

([1])  أخرجه: الترمذي رقم (2640)، وأبو داود رقم (4596)، وابن ماجه رقم (3991)، وأحمد رقم (12479).