أَثَرُ فَقْدِ العُلَمَاءِ ومَا يَتَرَتَّبُ
عَلَيْهِ
****
أَتدْرُون
مَا أَثَرُ فَقْدِ العُلَمَاءِ ومَا الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ؟
ثَبَتَ
في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ
قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا، فَجَاءَ يَطْلُبُ مَن يُفْتِيهِ هَلْ لَهُ
تَوْبَةٌ؟» وجَوَابُ هَذَا السُّؤَالِ لا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إلاَّ عَالمٌ،
لَكِنَّهُم دَلُّوهُ عَلَى عَابِدٍ مُجْتَهِد في العِبَادَةِ والوَرَعِ والزُّهْدِ
لَكِنَّهُ جَاهِلٌ فَتَعَاظَم الأَمْرُ وقَالَ: «لَيْسَ لَكَ تَوْبَةٌ، فَقَتَلَهُ الرَّجُلُ فَكَمَّلَ بِهِ المِائَة،
ثُمَّ سَأَلَ عَنْ عَالمٍ فَدَلُّوهُ عَلَى عَالمٍ فَسَأَلَهُ أَنَّهُ قَتَلَ
مِائَةَ نَفْسٍ فَهَلْ من تَوْبَةٍ؟! قَالَ لَهُ: نَعَم ومَنْ يَحُولُ بَيْنَكَ
وبَيْنَ التَّوْبَةِ؟ ولَكِنَّ أَرْضَكَ أَرْضُ سُوءٍ فَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ
كَذَا وكَذَا، فَإِنَّ فِيهَا أُنَاسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فَاعْبُدِ اللَّهَ
مَعَهُم ولا تَرْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ. تَابَ الرَّجُلُ وخَرَجَ مُهَاجِرًا إِلَى
الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ وحَضَرَتْهُ الوَفَاةُ وهُوَ في الطَّرِيقِ فَاخْتَصَمَتْ
فِيهِ مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلاَئِكَةُ العَذَابِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
مَلَكًا في صُورَةِ آدَمِيٍّ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُم فَقَالَ: قِيسُوا مَا بَيْنَ
البَلْدَتَيْنِ، فَوَجَدُوهُ إِلَى البَلْدَةِ الطِّيبَةِ أَقْرَب بِشِبْرٍ فَقَبَضَتْهُ
مَلاَئِكَةُ الرَّحْمَةِ» ([1]).
وفي
رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ لَمَّا حَضَرَتْهُ الوَفَاةُ نَأَى بِصَدْرِهِ إِلَى
الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ لَمَّا عَجَزَ عَنِ المَشْيِ بِرِجْلَيْهِ صَارَ يَنُوءُ بِصَدْرِهِ
وذَلِكَ بِسَبَبِ الحِرْصِ وصِدْقِ التَّوْبَةِ.
هَذَا كَانَ بِسَبَبِ العَالِمِ وبِسَبَبِ فَتْوَاهُ الصَّحِيحَةِ المَبْنِيَّةِ عَلَى العِلْمِ، أَرَأَيْتُم لَوْ بَقِيَ عَلَى فَتْوَى ذَلِكَ العَابِدِ الجَاهِلِ لَصَارَ يَقْتُلُ النَّاسَ ويَسْتَمِرُّ في القَتْلِ ورُبَّمَا مَاتَ من غَيْرِ تَوْبَةٍ بِسَبَبِ الفَتْوَى الخَاطِئَةِ.
([1]) أخرجه: البخاري رقم (3283)، ومسلم رقم (2766).