×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

المُثَقَّفُونَ والمُتَحَمِّسُونَ لا يُعَوِّضُونَ عَنِ العُلَمَاءِ

****

إِنَّ وُجُودَ المُثَقَّفِينَ والخُطَبَاءِ المُتَحَمِّسِينَ لا يُعَوِّضُ الأُمَّةَ من عُلَمَائِهَا وقَدْ أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «أَنَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَكْثُرُ الْقُرَّاءُ، وَيَقِلُّ الْفُقَهَاءُ» ([1]).

وهَؤُلاَءِ قُرَّاء ولَيْسُوا فُقَهَاءَ، فَإِطْلاَقُ لَفْظِ العُلَمَاءِ عَلَى هَؤُلاَءِ إِطْلاَقٌ في غَيْرِ مَحَلِّهِ والعِبْرَةُ بالحَقَائِقِ لا بالأَلْقَابِ، فَكَثِيرُ مَنْ يُجِيدُ الكَلاَمَ ويَسْتَمِيلُ العَوَامَّ وهُوَ غَيْرُ فَقِيهٍ.

والَّذِي يَكْشِفُ هَؤُلاَءِ أَنَّهُ عِنْدَمَا تَحْصُلُ نَازِلَةٌ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا فَإِنَّ الخُطَبَاءَ والمُتَحَمِّسِينَ تَتَقَاصَرُ أَفْهَامُهُم وعِنْدَ ذَلِكَ يَأْتِي دَوْرُ العُلَمَاءِ، فَلْنَنْتَبِهْ لِذَلِكَ ونُعْطِي عُلَمَاءَنَا حَقَّهُم ونَعْرِفْ قَدْرَهُم وفَضْلَهُم ونُنْزِلْ الكلامَ نزلته اللاَّئِقَةَ بِهِ.

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله: وقَدِ ابْتُلِينَا بِجَهَلَةٍ مِنَ النَّاسِ يَعْتَقِدُونَ في بَعْضِ من تَوَسَّعَ في القَوْلِ مِنَ المُتَأَخِّرِينَ أَنَّهُ أَعْلَم مِمَّنْ تَقَدَّمَ، فَمِنْهُم مَنْ يَظُنُّ في شَخْصِهِ أَنَّهُ أَعْلَمُ من كُلِّ من تَقَدَّمَ مِنَ الصَّحَابَةِ ومَنْ بَعْدَهُم لِكَثْرَةِ بَيَانِهِ ومَقَالِهِ، ومِنْهُم مَنْ يَقُولُ: هُوَ أَعْلَمُ مِنَ الفُقَهَاءِ المَشْهُورِينَ المَتْبُوعِينَ وهَذَا يَلزم مِنْهُ مَا قَبْلَهُ؛ لأَِنَّ هَؤُلاَءِ الفُقَهَاءِ المَشْهُورِينَ المَتْبُوعِينَ أَكْثَر قَوْلاً مِمَّنْ كَانَ قَبْلَهُم فَإِذَا كَانَ من بَعْدَهُم أَعْلَمُ مِنْهُم لاِتِّسَاعِ قَوْلِهِ كَانَ أَعْلَمَ مِمَّنْ أَقَلّ مِنْهُم قَوْلاً بِطَرِيقِ الأَولَى كَالثَّوْرِيِّ، والأَوزَاعِيِّ، واللَّيْثِ، وابْنِ المُبَارَكِ وطَبَقَتِهِم ومِمَّنْ قَبْلَهُم مِنَ التَّابِعِينَ والصَّحَابَةِ أَيْضًا، فَإِنَّ هَؤُلاَءِ كلِّهم أَقَلّ كَلاَمًا مِمَّنْ جَاءَ بَعْدِهِم، وهَذَا


الشرح

([1])  أخرجه: الحاكم رقم (8412)، والطبراني في «الأوسط» رقم (3277)، وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» رقم (1043).