تَنَقُّصٌ عَظِيمٌ بِالسَّلَفِ الصَّالِحِ
وإِسَاءَةُ ظَنٍّ بِهِم ونِسْبَة لَهُم إِلَى الجَهْلِ وقُصُورِ العِلْمِ، ولا
حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ، وقَدْ صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ في قَوْلِهِ في
الصَّحَابَةِ: إِنَّهُم أَبَرأ الأُمَّةِ قُلُوبًا وأَعْمَقُهَا عُلُومًا وأَقَلُّهَا
تَكَلُّفًا، ورُوِيَ نَحْوُهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا وفي هَذِهِ إِشَارَةٌ
إِلَى أَنَّ مَن بَعْدَهُم أَقَلُّ عُلُومًا وأَكْثَرُ تَكَلُّفًا، وقَالَ ابْنُ
مَسْعُودِ أَيْضًا: إِنَّكُم في زَمَانٍ كَثِيرٌ عُلَمَاؤُهُ قَلِيلٌ خُطَبَاؤُهُ
وسَيَأْتِي بَعْدَكُم زَمَانٌ قَلِيلٌ عُلَمَاؤُهُ كَثِيرٌ خُطَبَاؤُهُ. انْتَهَى.
فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ من تَفْسِيرِ الشَّيْخِ ابْنِ سَعْدِي رحمه الله
****
قَالَ
تَعَالَى: ﴿وَإِذَا
جَآءَهُمۡ أَمۡرٞ مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ
رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ
يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ
لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا﴾
[النساء: 83].
قَالَ
الشَّيْخُ العَلاَّمَةُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْن سَعْدِي رحمه الله في تَفْسِيرِ هَذِهِ
الآيَةِ: «هَذَا تَأْدِيبٌ مِنَ اللَّهِ لِعِبَادِهِ عَنْ فِعْلِهِم هَذَا غَيْر
اللاَّئِقِ، وأَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُم إِذَا جَاءَهُم أَمْرٌ مِنَ الأُمُورِ
المُهِمَّةِ والمَصَالِحِ العَامَّةِ -مَا يَتَعَلَّقُ بالأَمْنِ سُرُورُ
المُؤْمِنِينَ أو بالخَوْفِ الَّذِي فِيهِ مُصِيبَةٌ عَلَيْهِم- أَنْ
يَتَثَبَّتُوا ولا يَسْتَعْجِلُوا بِإِشَاعَةِ ذَلِكَ الخَبَرِ، بَلْ يَرُدُّونَهُ
إِلَى الرَّسُولِ وإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُم أَهْلِ الرَّأْيِ والعِلْمِ والنُّصْحِ
والعَقْلِ والرَّزَانَةِ الَّذِينَ يَعْرِفُونَ الأُمُورَ ويَعْرِفُونَ
المَصَالِحَ وضِدَّهَا، فَإِنْ رَأَوْا في إِذَاعَتِهِ مَصْلَحَةً ونَشَاطًا
لِلمُؤْمِنِينَ وسُرُورًا لَهُم وتَحَرُّزًا من أَعْدَائِهِم فَعَلُوا ذَلِكَ،
وإِنْ رَأَوْا مَا فِيهِ مَصْلَحَة ولَكِنْ مَضَرَّتُهُ تَزِيدُ عَلَى
مَصْلَحَتِهِ لَم يُذِيعُوهُ. ولِهَذَا قَالَ تَعَالَى﴿لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ﴾ [النساء: 83]، أَيْ: يَسْتَخْرِجُونَهُ بِفِكْرِهِم
وآرَائِهِم السَّدِيدَةِ وعُلُومِهِم الرَّشِيدَةِ، وفي هَذَا دَلِيلٌ لِقَاعِدَةٍ
أَدَبِيَّةٍ وهِيَ: