كَذَلِكَ وبَقِيَتْ دَوْلَةُ الإِسْلاَمِ
قَوِيَّةً مُجْتَمِعَةً حَتَّى إِنَّ أَحَدَ خُلَفَاءِ بَنِي العَبَّاسِ وهُوَ
هَارُونُ الرَّشِيدِ رحمه الله لَمَّا رَأَى سَحَابَةً في السَّمَاءِ قَالَ: «أَمْطِرِي حَيْثُ شِئْتِ فَسَيَأْتِينِي
خَرَاجُكِ» وذَلِكَ لسعَةَ مَمْلَكَةِ الإِسْلاَمِ وانْتِشَارُ الإِسْلاَمِ في
الأَرْضِ؛ لأَِنَّ غَالِبَ المَعْمُورَةِ تَحْتَ ولاَيَةِ المُسْلِمِينَ حِينئِذٍ
وكُلّمَا يَنْزِلُ مِنَ المَطَرِ في أَيِّ مَكَانٍ ويُنْبِتُ الخَيْرَ فَإِنَّهُ
يَكُونُ في يَدِ المُسْلِمِينَ، هَكَذَا كَانَتْ جَمَاعَةُ المُسْلِمِينَ
تَتَوَالَى عَلَيْهَا الأَحْقَابُ ويَعْتَرِضُهَا شَيْءٌ مِنَ الصِّعَابِ ولَكِنَّ
اللَّهَ تعالى يُبْقِي العِزَّةَ ويُبْقِي لَهَا الاجْتِمَاعَ والائْتِلاَفَ
حَتَّى انْقَضَتِ القُرُونُ المُفَضَّلَةُ القُرُونُ الأَرْبَعَةُ الَّتِي أَثْنَى
عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ»
([1])،
قَالَ الرَّاوِي: لا أَدْرِي ذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أو ثَلاَثَةٍ،
كُلُّ هَذَا والمُسْلِمُونَ في عِزٍّ واجْتِمَاعٍ وائْتِلاَفٍ، وتَحَقَّقَ في
ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ
لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ﴾ [التوبة: 33].
أَسْبَابُ اجْتِمَاعِ المُسْلِمِينَ بَعْدُ إِجْمَالاً
****
لَقَدْ ظَهَرَ دِينُ اللَّهِ في المَعْمُورَةِ وصَارَ لِلمُسْلِمِينَ دَوْلَةٌ عَظِيمَةٌ وتَوَالَتْ قُرُونٌ وأَحْقَابٌ وهُمْ مُجْتَمِعُونَ عَلَى كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ الَّتِي قَالَ فِيهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم لِقُرَيْشٍ: «قُولُوا كَلِمَةً تَدِينُ بِكُمْ لَهَا العَرَبُ وتُؤَدِّي لَكُم بِهَا العَجَمُ الجِزْيَةَ» ([2])، أو كَمَا قَالَ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم: «قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ لَعَمْرُ
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2508)، ومسلم رقم (2535).