×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

الاسْتِقَامَةُ بَيْنَ الجَفَاءِ والغُلُوِّ

****

فالعُصَاةُ والفُسَّاقُ هَؤُلاَءِ مُتَسَاهِلُونَ ومُفَرِّطُونَ كُلٌّ بِحَسَبِهِ، مِنْهُم المُقِلُّ ومِنْهُم المُسْتَكْثِرُ مِنَ التَّفْرِيطِ بِحَسَبِ مَا يَرْتَكِبُونَ مِنَ الذُّنُوبِ والسَّيِّئَاتِ والمُخَالَفَاتِ هُمْ بِهَذَا مُفَرِّطُونَ في طَاعَةِ اللَّهِ ومُقَصِّرُونَ في عِبَادَةِ اللَّهِ وهُم مُتَفَاوِتُونَ في تَفْرِيطِهِم وتَسَاهُلِهِم فَمِنْهُم مَنْ خَرَجَ بَعِيدًا عَنِ الاسْتِقَامَةِ، ومِنْهُم مَنْ خَرَجَ قَلِيلاً إلاَّ أَنَّهُم كُلُّهُم يُعْتَبَرُونَ جَافِينَ ومُفَرِّطِينَ، وعَلَى الطَّرَفِ الثَّانِي المُتَشَدِّدُونَ الغَالُونَ في دِينِ اللَّهِ عز وجل الَّذِينَ لا يُقْنِعُهُم السَّيْرُ عَلَى طَاعَةٍ ومَا شَرَعَهُ اللَّهُ بَلْ يُرِيدُونَ أَنْ يَزِيدُوا عَمَّا شَرَعَهُ ويَقُولُونَ هَذَا مِنَ الدِّينِ وهُوَ واللَّهِ، لَيْسَ مِنَ الدِّينِ ولِهَذَا حَذَّرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ في كِتَابِهِ قَالَ تَعَالَى: ﴿يَٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ [المائدة: 77] فَأَهْلُ الكِتَابِ غلُوا في حَقِّ المَسِيحِ عليه الصلاة والسلام حَتَّى اعْتَبَرُوهُ ابْنًا لِلَّهِ أو اعْتَبَرُوهُ هُوَ اللَّهُ أو ثَالِث ثَلاَثَةٍ ورَفَعُوه من دَرَجَةِ العُبُودِيَّةِ والبَشَرِيَّةِ إِلَى دَرَجَةِ الرُّبُوبِيَّةِ، هَذَا غُلُوٌّ وزِيَادَةٌ، فَمَنْ غَلاَ في حَقِّ شَخْصٍ حَتَّى رَفَعَهُ عَنْ مَنْزِلَتِهِ فَهَذَا أَعْظَمُ الغُلُوِّ، ومَنْ غَلاَ في العِبَادَةِ ولَم يَقْتَصِرْ عَلَى مَا شَرَعَهُ اللَّهُ وزَادَ فَهَذَا مِنَ الغُلُوِّ الَّذِي لا يَقْبَلُهُ اللَّهُ فَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا قَالَ: صَلاَةُ الفَجْرِ رَكْعَتَانِ أَنَا أُرِيدُ أَنْ أُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ زِيَادَةً في الخَيْرِ، فَقَوْلُهُ هَذَا غُلُوٌّ وزِيَادَةٌ واللَّهُ لا يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ، وهَذِهِ الصَّلاَةُ بَاطِلَةٌ، لا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْكَ إلاَّ مَا شَرَعَهُ بِأَنْ تُصَلِّيَ الفَجْرَ رَكْعَتَيْنِ وكَذَا لَوْ قَالَ: الصَّلَوَاتُ الخَمْسُ لا تَكْفِي أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَجْعَلَهَا سِتَّ صَلَوَاتٍ، سَبْعَ صَلَوَاتِ زِيَادَةَ خَيْرٍ قُلْنَا لَهُ: لا هَذَا كفْرٌ بِاللَّهِ عز وجل؛ لأَِنَّ هَذِهِ زِيَادَةٌ في الدِّينِ وهِيَ مِثْلُ النَّقْصِ مِنَ الدِّينِ أو أَشَدّ لا يَقْبَلُهَا اللَّهُ تعالى،


الشرح