×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

 ومِنْ ثَمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الخَوَارِجِ وهُم طَائِفَةٌ شَدَّدَتْ في الدِّينِ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وغَلَتْ في الدِّينِ وعَظَّمَتْ من شَأْنِ الكَبَائِرِ حَتَّى حَكَمَتْ عَلَى مُرْتَكِبِ الكَبِيرَةِ بِأَنَّهُ كَافِرٌ، وقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيهِم: «تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ إلى صَلاَتِهِمْ، وَعِبَادَتَكُمْ إِلَى عِبَادَتِهِمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ,أَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ» ([1])، فَهُم يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ بِسَبَبِ الغُلُوِّ والزِّيَادَةِ، حَتَّى إِنَّ الصَّحَابَةَ يَحْقِرُونَ عِبَادَتَهُم إِلَى عِبَادَتِهِم، لَكِنَّ الاجْتِهَادَ الَّذِي يَكُونُ لَيْسَ عَلَى طَرِيقٍ صَحِيحٍ لا يَنْفَعُ بَلْ يَضُرُّ صَاحِبَهُ، ولِهَذَا وصَفَهُم بِأَنَّهُم يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ بِسَبَبِ غُلُوِّهِم وتَشَدُّدِهِم والعِيَاذُ بِاللَّهِ، وحَتَّى إِنَّهُم كَانُوا يُعْرَفُونَ بِصُفْرَةِ الوُجُوهِ من قِيَامِ اللَّيْلِ، وكَثْرَةِ التِّلاَوَةِ لَكِنْ لَمَّا زَادُوا عَلَى الدِّينِ مَا لَيْسَ مِنْهُ خَرَجُوا مِنَ الدِّينِ، وسُمُّوْا بالخَوَارِجِ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُم خَرَجُوا عَلَى أَمِيرِ المُؤْمِنِينَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وخَرَجُوا أَيْضًا عَنْ رَسْمِ العِبَادَةِ الَّتِي شَرَعَهَا اللَّهُ تعالى فَكَذَلِكَ كُلُّ من تَأَسَّى بِهِم فَهُوَ مِنْهُم مِمَّنْ جَاءَ بَعْدَهُم إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ؛ لأَِنَّ الخَوَارِجَ يَتَكَرَّرُ وُجُودُهُم في التَّارِيخِ وهَذَا مَذْهَبٌ يَكُونُ عَلَيْهِ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ لا تَزَالُ، وهُوَ مَذْهَبٌ بَاطِلٌ بِسَبَبِ الغُلُوِّ والتَّشَدُّدِ الَّذِي مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ من سُلْطَانٍ، وحَتَّى الاجْتِهَاد في النَّوَافِلِ عَلَى غَيْرِ الطَّرِيقِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ يُعْتَبَرُ غُلُوًّا، فَقَدْ جَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ إِلَى بُيُوتِ النَّبِيِّ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وقِيَامِهِ في اللَّيْلِ فَلَمَّا أَخْبَرَهُم أَزْوَاجُ النَّبِيِّ ورضي الله عنهنَّ لَمَّا أَخْبَرْنَهُم بِصَلاَةِ النَّبِيِّ في اللَّيْلِ وصِيَامِهِ كَأَنَّهُم تقَالُّوا هَذَا، لَكِنَّهُم أَجَابُوا عَنْ فِعْلِ الرَّسُولِ بِأَنَّهُ قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ مَا تَقَدَّمَ من ذَنْبِهِ ومَا تَأَخَّرَ، قَالُوا: فَنَحْنُ لَسْنَا مِثْلَهُ، فَهُوَ بِزَعْمِهِم لَم يُكْثِرْ


الشرح

([1])  أخرجه: البخاري رقم (4771)، ومسلم رقم (1064).