مِنَ الصَّلاَةِ لأَِنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ ونَحْنُ لَسْنَا مِثْلَهُ فَنَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى أَنْ نَجْتَهِدَ أَكْثَرَ، فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ وذُكِرَ لَهُ ذَلِكَ تَغَيَّرَ وأَنْكَرَ عَلَيْهِم وقَالَ: «أَنْتُمُ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا؟ أَمَا وَاللهِ إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لِلهِ، وإِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصلِّي وَأَرْقُدُ، وآكُلُ اللَّحْمَ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، وَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([1])، يَعْنِي: من لَم تُقْنِعْهُ سُنَّتِي فَأَنَا بَرِيءٌ مِنْهُ، فَقَوْلُهُ: «لَيْسَ مِنِّي»، أَيْ: بَرِئَ مِنْهُ، دَلَّ عَلَى هَذَا أَنَّ الخَيْرَ كُلَّهُ في الاسْتِقَامَةِ عَلَى سُنَّةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم والالْتِزَامِ بِشَرْعِ اللَّهِ عز وجل كَذَلِكَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ لَمَّا أَفَاضَ من مَزْدِلفَة إِلَى مِنًى أَمَرَ أَحَدَ الصَّحَابَةِ أَنْ يَلْتَقِطَ لَهُ حَصَى الجِمَارِ فَجَاءَهُ بِحَصًى مِثْلَ حَصَى الخَذَف، أَيْ: الَّذِي يُقْذَفُ بِهِ عَلَى رُؤُوسِ الأَصَابِعِ أَكْبَر مِنَ الحُمّصِ بِقَلِيلٍ فَجَعَلَ النَّبِيُّ يَنْفُضُهُ ويَقُولُ: «أَمْثَالَ هَؤُلاَءِ فَارْمُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ» ([2])، يَعْنِي: لا يَجِيءُ واحِدٌ يَقُولُ هَذِهِ الحَصَى صِغَارٌ ويَأْخُذُ حَصًى كِبَارًا هَذَا غُلُوٌّ لا يَجُوزُ فالحَصَى الَّتِي رَمَى بِهَا النَّبِيُّ هِيَ المَشْرُوعَةُ وفِيهَا الكِفَايَةُ فلا يَجِيءُ واحِدٌ بِحَصًى كِبَارٍ ويَقُولُ: هَذِهِ زِيَادَةُ خَيْرٍ نَقُولُ لَهُ: قِفْ عِنْدَ حَدِّكَ هَذِهِ سُنَّةُ الرَّسُولِ أَبِي القَاسِمِ: «مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي» ([3])، ولا يَجُوزُ العَكْسُ فَيَأْتِي واحِدٌ ويَقُولُ: أَنَا آخِذٌ حَصًى صِغَارًا أَقَلَّ مِمَّا جَاءَ في الحَدِيثِ نَقُولُ لَهُ: لا، هَذَا تَسَاهُلٌ لا يَجُوزُ فلا بُدَّ مِنَ السَّيْرِ عَلَى خطّةِ الرَّسُولِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
([1]) أخرجه: البخاري رقم (4776)، مسلم رقم (1401).