×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

«تَرَكْتُكُمْ عَلَى الْمَحَجَّةِ الْبَيْضَاء، لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لاَ يَزِيغُ عَنْهَا إلاَّ هَالِكٌ» ([1])، فالاِسْتِقَامَةُ هِيَ العَمَلُ بِسُنَّةِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم لا يَأْتِي واحِدٌ يَقُولُ: سُنَّةُ الرَّسُولِ فِيهَا تَشَدُّدٌ ويَدْعُو إِلَى التَّسَاهُلِ ويَقُولُ: الدِّينُ يُسْرٌ، نَعَم الدِّينُ يُسْرٌ، ولَكِنَّ اليُسْرَ هُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ ولَيْسَ اليُسْرُ أَنْ نَتْرُكَ الأَوَامِرَ والنَّوَاهِيَ ونَقُولُ الالْتِزَامُ بِالدِّينِ تَشدِيدٌ، هَذَا لَيْسَ تشْدِيدًا هَذَا هُوَ الدِّينُ ﴿ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُۚ [التوبة: 36]، أو يَأْتِي واحِدٌ يَقُولُ: هَذَا قَلِيلٌ أَنَا أَزِيدُ زِيَادَةَ خَيْرٍ، نَقُولُ لَهُ: قِفْ عِنْدَ حَدِّكَ هَذِهِ سُنَّةُ الرَّسُولِ لا زِيَادَةَ ولا نَقْصَ، النَّاقِصُ جَافٍ والزَّائِدُ غَالٍ، والاعْتِدَالُ هُوَ لُزُومُ سُنَّةِ الرَّسُولِ وفِيهَا السُّهُولَةُ والحَمْدُ لِلَّهِ ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيۡكُمۡ فِي ٱلدِّينِ مِنۡ حَرَجٖۚ [الحج: 78].

وقَالَ: «هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ» قَالَهَا ثَلاَثًا ([2])، مَنْ هُم المُتَنَطِّعُونَ؟ هُم المُتَشَدِّدُونَ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ السَّيْرَ عَلَى مَا شَرَعَهُ الرَّسُولُ لا يَكْفِي ولا بُدَّ مِنَ الاجْتِهَادِ والإِكْثَارِ مِنَ العِبَادَةِ أَكْثَرَ مِمَّا شَرَعَهُ الرَّسُولُ، إِنَّ هَذَا هُوَ التَّنَطُّع الَّذِي يُهْلِكُ صَاحِبَهُ وبِهِ هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ من قَبْلُ وقَالَهَا ثَلاَثًا عليه الصلاة والسلام من أَجْلِ التَّحْذِيرِ مِنَ التَّشَدُّدِ في الدِّينِ والغُلُوِّ في الدِّينِ فالاِسْتِقَامَةُ إِذَنْ عَرَفْنَا أَنَّهَا السَّيْرُ عَلَى الطَّرِيقِ المُعْتَدِلِ وهُوَ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى وشَرَعَهُ رَسُولُهُ التِزَامُ ذَلِكَ من غَيْرِ إِفْرَاطٍ ولا تَفْرِيطٍ وقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ في هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي سَمِعْتُم وذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في الأَحَادِيثِ الَّتِي سَمِعْتُم الحَثَّ عَلَى الاسْتِقَامَةِ والأَمْرِ بِهَا وذَكَرَ جَزَاءَ أَهْل الاسْتِقَامَةِ، قَالَ سُبْحَانَهُ ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا ٱللَّهُ ثُمَّ ٱسۡتَقَٰمُواْ [فصلت: 30]، قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ نَطَقُوا


الشرح

([1])  أخرجه: ابن ماجه رقم (43)، وأحمد رقم (17142)، والحاكم رقم (331).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (2670).