×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

 فِيهِ فَضْلُ طَلَبِ العِلْمِ، وبَذْل الأَسْبَابِ لِتَحْصِيلِهِ مِنَ الاجْتِمَاعِ لِتَدَارُسِهِ والجُلُوسِ لِتَعَلُّمِهِ وسُلُوك الطَّرِيقِ لِلحُصُولِ عَلَيْهِ وهُوَ يَشْمَلُ عَلَى سُلُوكِ الطَّرِيقِ الحِسِّيِّ مِنَ المَشْيِ إِلَيْهِ حَيْثُ يُوجَدُ والسَّفَر من أَجْلِهِ وبَذْل كُلِّ سَبَبٍ لِنَيْلِه فَإِنه لا يَحْصُلُ عَفْوًا بِدُونِ مَشَقَّةٍ واسْتِفْرَاغِ وقْتٍ ورَاحَةٍ، ومَنْ طَلَبَ العُلاَ سَهَرَ اللَّيَالِي، وهُنَاكَ الطَّرِيقُ المَعْنَوِيُّ وهُوَ تَفْرِيغُ الإِنْسَانِ لِطَلَبِ العِلْمِ، وكَذَلِكَ حِفْظُهُ لِلمُتُونِ، وعِنَايَتُهُ بِالنُّصُوصِ، وجُلُوسُهُ في فُصُولِ الدِّرَاسَةِ أو حَلَقَاتِ التَّدْرِيسِ في المَسَاجِدِ، وشِرَاؤُهُ لِلكُتُبِ أو اسْتِنْسَاخُهُ لَهَا أو كِتَابَتُهُ لَهَا بِيَدِهِ، هَذَا طَرِيقٌ مَعْنَوِيٌّ إِلَى العِلْمِ فَأَنْتَ حِينَمَا تَشْتَرِي الكُتُبَ بِنِيَّةٍ صَالِحَةٍ فَأَنْتَ تَسِيرُ لِطَلَبِ العِلْمِ، أو حِينَمَا تَجْلِسُ في الحَلْقَةِ فَأَنْتَ تَسْلُكُ طَرِيقًا إِلَى العِلْمِ، وهَذَا الطَّرِيقُ يُؤَدِّي إِلَى الجَنَّةِ؛ لأَِنَّ العِلْمَ النَّافِعَ يُؤَدِّي إِلَى الجَنَّةِ لِقَوْلِهِ عليه السلام: «سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» ([1])، و«إِنَّ الْمَلاَئِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ» ([2])، تَقْدِيرًا لَهُ فَإِذَا كَانَتِ المَلاَئِكَةُ تَتَوَاضَعُ لِطَالِبِ العِلْمِ رِضًا بِمَا يَصْنَعُ فَإِنَّ غَيْرَهُم من بَابِ أَوْلَى يَجِبُ أَنْ يَحْتَرِمَ أَهْل العِلْمِ وأَنْ يُوَقِّرَهُم وأَنْ يُجِلَّهُم؛ لأَِنَّهُم يَشْتَغِلُونَ بِشَيْءٍ هُوَ أَعَزُّ شَيْءٍ يُطْلَبُ ويُبْتَغَى فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ: «فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ» ([3]).

ووَجْهُ التَّمْثِيلِ هُنَا أَنَّ القَمَرَ يُنِيرُ لِنَفْسِهِ ويُنِيرُ لِغَيْرِهِ، نُورُهُ يَتَعَدَّى إِلَى الأَرْضِ وإِلَى الدُّنْيَا فَيَسْتَنِيرُ النَّاسَ بِهِ كَذَلِكَ العَالِمُ يَمْتَدُّ عِلْمُهُ عَلَى غَيْرِهِ ويَنْتَفِعُ بِهِ النَّاسُ مِمَّنْ حَوْلَهُ ومَنْ بَعُدَ عَنْهُ في أَقْطَارِ الأَرْضِ كُلُّهُم يَنْتَفِعُونَ


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2699).

([2])  أخرجه: أبو داود رقم (3641)، والترمذي رقم (3535)، والنسائي رقم (158)، وأحمد رقم (18089).

([3])  أخرجه: أبو داود رقم (3641)، والترمذي رقم (2682)، و ابن ماجه رقم (223).