×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

 بِعِلْمِهِ حَتَّى لَوْ مَاتَ من مِئَاتِ السِّنِينَ فَعِلْمُهُ بَاقٍ يُنْتَفَعُ به ولَوْ كَانَ تَحْتَ التُّرَابِ فلا يَزَالُ النَّاسُ يَذْكُرُونَ أَهْلَ العِلْمِ والأَئِمَّةَ ويَنْتَفِعُونَ بِعِلْمِهِم وهُم أَمْوَات من مِئَاتِ السِّنِينَ ويَدْعُونَ لَهُم ويَتَرَحَّمُونَ عَلَيْهِم، فَهُم مِثْل القَمَرِ يُنِيرُ لِنَفْسِهِ ويُنِيرُ لِغَيْرِهِ، بِخِلاَفِ العَابِدِ فالعِبَادَةُ نُورٌ لَكِنَّهُ نُورٌ قَاصِرٌ عَلَى صَاحِبِهِ، فالعَابِدُ نَفْعُهُ خَاصٌّ بِنَفْسِهِ وضَوْءُهُ كَضَوْءِ الكَوْكَبِ خَاصّ والنَّاسُ يَسْتَضِيئُونَ بالقَمَرِ ولَيْسَ بالكَوَاكِبِ فَهَذَا وجْهُ تَمْثِيلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بالقَمَرِ والعَابِدِ بالكَوَاكِبِ وإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم في حَدِيثٍ آخَرَ شَبَّهَ العُلَمَاءَ بِالنُّجُومِ يُهْتَدَى بِهَا في ظُلمَاتِ البَرِّ والبَحْرِ فالعُلَمَاءُ من نَاحِيَةٍ ثَانِيَةٍ هُم كَالنُّجُومِ أَيْضًا لأَِنَّهُم أَدِلَّةٌ عَلَى الحَقِّ، والمُسَافِرُونَ في البَرِّ والبَحْرِ إِنَّمَا يَقْتَدُونَ بِالنُّجُومِ قَالَ تَعَالَى: ﴿وَعَلَٰمَٰتٖۚ وَبِٱلنَّجۡمِ هُمۡ يَهۡتَدُونَ [النحل: 16] وقَالَ: ﴿وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ ٱلنُّجُومَ لِتَهۡتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَٰتِ ٱلۡبَرِّ وَٱلۡبَحۡرِۗ [الأنعام: 97].

فالعُلَمَاءُ نُجُومٌ من حَيْثُ إِنَّ أَهْلَ الأَرْضِ يَسِيرُونَ عَلَى هُدَاهُم ويَقْتَدُونَ بِهِم في حَيَاتِهِم العِلْمِيَّةِ كَمَا يَهْتَدِي المُسَافِرُونَ بِالنُّجُومِ الَّتِي في السَّمَاءِ، وهُم كَالْقَمَرِ من حَيْثُ إِنَّ ضَوْءَهُم عَظِيمٌ يَمْتَدُّ إِلَى أَقْطَارِ الدُّنْيَا - وأَمَّا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَْنْبِيَاءِ» ([1]) فَكَفَى بِذَلِكَ فَخْرًا أَنَّهُم هُم ورَثَةُ الأَنْبِيَاءِ، وإِنَّمَا ورِثُوا الأَغْنِيَاءَ ورُبَّمَا يُورَثُ المَالُ عَنْ كَافِرٍ وقَدْ يُورَثُ عَنْ تَقِيٍّ مُؤْمِنٍ لَكِنَّ المَالَ نَفْعُهُ قَاصِرٌ بِخِلاَفِ العِلْمِ، فالعِلْمُ الشَّرْعِيُّ لا يُمْكِنُ أَنْ يُورَثَ إلاَّ عَنِ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِم الصَّلاَةَ والسَّلاَمَ.


الشرح

([1])  أخرجه: أبو داود رقم (3641)، والترمذي رقم (2682)، و ابن ماجه رقم (223).