×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

ولَوْ لَم يَكُنْ مَعَهُ مِنَ الدُّنْيَا ولا قطْمِير لأَِنَّهُ أَخَذَ بِخَيْرِ الدُّنْيَا والآخِرَةِ، والنَّاسُ إِنَّمَا يَنْتَفِعُونَ بالعِلْمِ ومَعْرِفَةِ اللَّهِ تعالى، والنَّاسُ يُقَدِّرُونَ العَالِمَ أَكْثَرَ مِمَّا يُقَدِّرُونَ صَاحِبَ الدُّنْيَا، هَذَا شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ تعالى في قُلُوبِ النَّاسِ فَتَجِدُ النَّاسَ يُجِلُّونَ العَالِمَ أَكْثَرَ مِمَّا يُجِلُّونَ المَلِكَ أو الوَزِيرَ أو التَّاجِرَ يُجِلُّونَهُ عَنْ حَقٍّ وعَنْ صِدْقٍ وعَنْ شَيْءٍ يَجِدُونَهُ في نُفُوسِهِم.

أَمَّا إِجْلاَلُهُم لأَِصْحَابِ الدُّنْيَا فالغَالِبُ لأَِنَّهُ مُجَامَلَةٌ أو طَمَعٌ ورُبَّمَا يُجِلُّونَهُم في الظَّاهِرِ وهُم يُبْغِضُونَهُم في البَاطِنِ ولَكِنَّ العَالِمَ الحَقِيقِيَّ وهُوَ العَالِمُ العَامِلُ بِعِلْمِهِ هَذَا يُجِلُّهُ النَّاسُ عَنْ طَوْعٍ واخْتِيَارٍ وعَنْ صِدْقٍ: ﴿إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّٰلِحَٰتِ سَيَجۡعَلُ لَهُمُ ٱلرَّحۡمَٰنُ وُدّٗا [مريم: 96].

فَهَذِهِ النُّصُوصُ مِنَ الكِتَابِ والسُّنَّةِ وغَيْرِهَا كَثِيرٌ وكَثِيرٌ تَدُلُّ عَلَى فَضْلِ العِلْمِ وشَرَفِهِ وفَضْلِ التَّفَقُّهِ في دِينِ اللَّهِ عز وجل ومَنْ أَرَادَ المَزِيدَ من ذَلِكَ فَأَنَا أُرْشِدُهُ إِلَى كِتَابِ «مفْتَاحُ دَارِ السَّعَادَةِ» لِلعَلاَّمَةِ ابْنِ القَيِّمِ، فَقَدْ ذَكَرَ في أَوَّل الجُزْءِ الأَوَّلِ مِنْهُ مَا يَزِيدُ عَنْ مِائَةٍ وخَمْسِينَ وجْهًا في فَضْلِ العِلْمِ وأَهْلِهِ بِأَدِلَّتِهَا بَلْ إِنَّهُ اسْتَغْرَقَ في ذَلِكَ من مِائَتَيْ صَفْحَةٍ وكَذَلِكَ رِسَالَة الإِمَامِ الحَافِظِ ابْن رَجَبٍ في شَرْحِ حَدِيثِ أَبِي الدَّردَاء الَّذِي سَمِعْتُم طَرَفًا مِنْهُ «مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ» ([1])، كَتَبَ عَلَيْهِ رِسَالَةً مُسْتَقِلَّةً فِيهَا فَوَائِدُ عَظِيمَةٌ.


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (2699).