فَأَخْبَرَ أَنَّ العُلَمَاءَ هُم أَهْلُ
الخَشْيَةِ لِلَّهِ؛ لأَِنَّ العِلْمَ يُعَرِّفُ بِاللَّهِ ويُبَيِّنُ عَظَمَةَ
اللَّهِ ويُبَيِّنُ أَسْمَاءَهُ وصِفَاتَهُ ويُبَيِّنُ جَزَاءَهُ وعِقَابَهُ
ويُبَيِّنُ أَشْيَاءَ عَظِيمَةً، وهَذَا يُكْسِبُ العَبْدَ خَشْيَةَ اللَّهِ عز
وجل؛ لأَِنَّ مَنْ كَانَ بِاللَّهِ أَعْرفُ كَانَ مِنْهُ أَخْوَفُ، فالجَاهِلُ
يَكُونُ أَقَلَّ خَشْيَةٍ وإِنْ كَانَ عَابِدًا ورِعًا لَكِنَّهُ بِسَبَب جَهْلِهِ
بِاللَّهِ يَكُونُ أَقَلَّ خَشْيَةٍ لِجَهْلِهِ بِاللَّهِ.
عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ هُم أَهْل الخَشْيَةِ
****
والمُرَادُ
هُنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَخۡشَى ٱللَّهَ مِنۡ عِبَادِهِ ٱلۡعُلَمَٰٓؤُاْۗ﴾ [فاطر: 28] هُم عُلَمَاءُ الشَّرِيعَةِ؛ لأَِنَّهُم هُم
الَّذِينَ يَعْرِفُونَ اللَّهَ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ ويَعْرِفُونَ عَظَمَتَهُ
وجَلاَلَهُ تعالى ويُقَدِّرُونَهُ حَقَّ قَدْرِهِ.
أَمَّا
مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ اليَوْمَ من إِطْلاَقِ لَفْظِ العُلَمَاءِ عَلَى
عُلَمَاءَ الصِّنَاعَةِ والاخْتِرَاعِ والطِّبِّ والكِيمْيَاءِ والفِيزْيَاءِ
وغَيْرِهَا مِنَ العُلُومِ فَهَذَا من تَغْيِيرِ الحَقَائِقِ حَتَّى أَصْبَحَ
لَفْظُ العُلَمَاءِ يُطْلَقُ عَلَى كُفَّارِ الأَمْرِيكَانِ والرُّوسِ،
وهَؤُلاَءِلَيْسُوا عُلَمَاءَ؛ لأَِنَّهُم لا يُفِيدُهُم عِلْمُهُم خَشْيَةَ
اللَّهِ وإِنَّمَا يُفِيدُهُم عِلْمُهُم التَّكَبُّرَ في الأَرْضِ والإِعْجَابَ
بِأَنْفُسِهِم والتَّسَلُّطِ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ حَقٍّ، كَيْفَ يَكُونُونَ
يَخْشَوْنَ اللَّهَ وهُم يَجْهَلُونَهُ عز وجل ومِنْهُم مَنْ يُنْكِرُ وُجُودَ
اللَّهِ عز وجل كَالشُّيُوعِيِّينَ مَثَلاً، كَيْفَ يَكُونُونَ هَؤُلاَءِ أَهْل
خَشْيَةٍ لِلَّهِ وهُم أَجْهَلُ النَّاسِ بِهِ، نَعَم عُلَمَاءُ الصِّنَاعَةِ
عُلَمَاءٌ وعُلَمَاءُ الاخْتِرَاعِ عُلَمَاءٌ وعُلَمَاءُ الطِّبِّ عُلَمَاءٌ إِذَا
كَانَ عِنْدَهُم عِلْمٌ شَرْعِيٌّ فَقَدْ يَخْشَوْنَ اللَّهَ، أَمَّا إِذَا
كَانُوا لا يَعْلَمُونَ شَيْئًا عَنِ الشَّرِيعَةِ وإِنَّمَا يَعْرِفُونَ
الأُمُورَ الدُّنْيَوِيَّةَ فَهَؤُلاَءِ لَيْسُوا عُلَمَاءَ هَؤُلاَءِ جُهَّالٌ
ضُلاَّلٌ أَكْثَرُهُم كُفَّارٌ وأَكْثَرُهُم أَعْدَاءٌ لِلَّهِ ورُسُلِهِ ولِلإِْسْلاَمِ.