×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

إِلَى حَالَةِ السَّعَادَةِ، ولَوْ تَدَبَّرُوهُ لَعَرَفُوا أَنَّهُ كَلاَمُ اللَّهِ؛ لأَِنَّهُ لا يَتَنَاقَضُ بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ويُفَسِّرُ بَعْضُهُ ويُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا في الحُسْنِ والبَلاَغَةِ والصِّدْقِ والإِعْجَازِ، فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلاَفٌ بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ويُوَضِّحُ بَعْضُهُ بَعْضًا ويُؤَيِّدُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَهُوَ كِتَابٌ مُتَآلِفٌ ومُتَشَابِهٌ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحۡسَنَ ٱلۡحَدِيثِ كِتَٰبٗا مُّتَشَٰبِهٗا [الزمر: 23]، أَيْ: يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا في الحُسْنِ والإِتْقَانِ والصِّدْقِ ويُفَسِّرُ بَعْضُهُ بَعْضًا ولَيْسَ فِيهِ اخْتِلاَفٌ أَبَدًا.

بِخِلاَفِ كَلاَمِ المَخْلُوقِ فَإِنَّهُ يُوجَدُ فِيهِ الخَلَلُ؛ لأَِنَّ المَخْلُوقَ نَاقِصٌ وفِيهِ تَنَاقُضٌ ورُبَّمَا يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، أَمَّا كَلاَمُ الخَالِقِ جل وعلا فَإِنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، هُوَ كِتَابٌ مُتْقَنٌ مُحْكَمٌ لَيْسَ فِيهِ خَلَلٌ ولَيسَ فِيهِ نَقْصٌ ولَيْسَ فِيهِ تَنَاقُضٌ مِمَّا يَدُلّ على أَنَّهُ تَنْزِيلٌ من حَكِيمٍ حَمِيدٍ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كِتَٰبٌ أُحۡكِمَتۡ ءَايَٰتُهُۥ ثُمَّ فُصِّلَتۡ مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ [هود: 1].

فَإِذَا قَرَأْتَ القُرْآنَ بِتَدَبُّرٍ وتَمَعُّن ٍوحُضُورِ قَلْبٍ وتَفَكُّرٍ في مَعَانِيهِ فَإِنَّهُ يُزِيلُ عَنْكَ أَوْهَامًا كَثِيرَةً ووَسَاوِسَ عَظِيمَةً ويَبْعَثُ في قَلْبِكَ الطُّمَأْنِينَةَ ويُقَوِّي فِيكَ الإِيمَانَ، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ٱلَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ ٱللَّهُ وَجِلَتۡ قُلُوبُهُمۡ وَإِذَا تُلِيَتۡ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتُهُۥ زَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ ٢ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ ٣أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُمۡ دَرَجَٰتٌ عِندَ رَبِّهِمۡ وَمَغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ ٤ [الأنفال: 2- 4].

فَتِلاَوَةُ القُرْآنِ مَعَ تَدَبُّرِهِ والتَّفَكُّرِ فِيهِ تَزِيدُ في إِيمَانِ العَبْدِ، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَٰنٗا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ [التوبة: 124].

وكُلَّمَا أَكْثَرَ الإِنْسَانُ من تَدَبُّرِ هَذَا القُرْآنِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ إِيمَانُهُ ويَزِيدُ يَقِينُهُ ويَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ ويَزِيدُ عِلْمُهُ وفِقْهُهُ، فَإِنَّهُ لا تَفْنَى عَجَائِبُهُ، ولا يَخْلقُ من كَثْرَةِ الرَّدِّ.


الشرح