قَالَ تعالى: ﴿فَلَوۡلَا كَانَ مِنَ ٱلۡقُرُونِ مِن قَبۡلِكُمۡ أُوْلُواْ
بَقِيَّةٖ يَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡفَسَادِ فِي ٱلۡأَرۡضِ إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا
مِنۡهُمۡۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتۡرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجۡرِمِينَ
١١٦وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهۡلِكَ ٱلۡقُرَىٰ بِظُلۡمٖ وَأَهۡلُهَا مُصۡلِحُونَ ١١٧﴾ [هود: 116- 117].
مَا
قَالَ صَالِحُونَ فَقَط بَل قَالَ: ﴿مُصۡلِحُونَ﴾
[هود: 117]، والمُصْلِحُونَ هُم الذينَ يَأْمُرُونَ بالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عنِ
المنْكَرِ، ولَهَذَا قَالَ: ﴿إِلَّا قَلِيلٗا مِّمَّنۡ أَنجَيۡنَا مِنۡهُمۡۗ﴾ [هود: 116]، فَذَكَرَ أَنَّهُ تعالى نَجَّا هَؤُلاَءِ
القَلِيلَ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرْضِ، وأَنَّ الأَكْثَرِينَ
هَلَكُوا؛ لأَِنَّهُم لا يَنْهَوْنَ عَنِ الفَسَادِ في الأَرْضِ، وكَمَا أَنَّ
الإِنْكَارَ سَبَبُ النَّجَاةِ مِنَ العَذَابِ والعِقَابِ، فَإِنَّ تَرْكَ
الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ سَبَبٌ لِلهَلاَكِ وسَبَبٌ
لِلَعْنَةِ اللَّهِ تعالى، قَالَ تعالى: ﴿لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ عَلَىٰ
لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ
٧٨كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ
٧٩﴾ [المائدة: 78- 79].
وقَدْ تَلَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: «كَلاَّ والله، لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدِ السَّفِيهِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا أَوْ لِيَضْرِبَنَّ الله عَلَى قُلُوبِ بَعْضِكُم بِبَعْضٍ ثُمَّ يَلْعَنُكُم كَمَا لَعَنَهُم» ([1])، واللَّهُ جل وعلا قَصَّ عَلَيْنَا هَذَا لأَِجْلِ أَنْ نَحْذَرَ مِنَ الوُقُوعِ فِيمَا وقَعَ فِيهِ هَؤُلاَءِ، حَتَّى لا تَحقَّ عَلَيْنَا لَعْنَةُ اللَّهِ عز وجل وغَضَبُ اللَّهِ؛ إِذْ لا بُدَّ من وُجُودِ الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ في أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّتِي هِيَ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ،
([1]) أخرجه: أبو داود رقم (4336)، وأبو يعلى رقم (5035)، والبيهقي في «الشعب» رقم (7139).