×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

 الحَالَةُ الثَّانِيَةُ: ألاَّ يَزُولَ المُنْكَرُ كُلّهُ ولَكِنْ يُخَفّفُ، وفي هَذِهِ الحَالَةِ أَيْضًا يَأْمُرُ بالمَعْرُوفِ ويَنْهَى عَنِ المُنْكَرِ تَخْفِيفًا لِلشَّرِّ، لأَِنَّهُ إِذَا لَم يَكُنْ إِزَالَتُهُ بالكُلِّيَّةِ فَعَلَى الأَقَلِّ يُخَفَّفُ.

الحَالَةُ الثَّالِثَةُ: العَكْسُ بِأَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَى الإِنْكَارِ حُصُولُ مُنْكَرٍ أَعْظَم أو مُسَاوٍ، فَفِي هَذِهِ الحَالَةِ يَتَوَقَّفُ الإِنْسَانُ؛ لأَِنَّهُ إِذَا تَرَتَّبَ عَلَى إِنْكَارِهِ حُصُولُ مَعْصِيَةٍ أَكْبَر مِنْهَا فَإِنَّهُ لا يَجُوزُ الإِنْكَارُ إِلَى أَنْ يَفْتَحَ اللَّهُ تعالى ويَأْتِي بالفَرَجِ، ويَكُون هَذَا من بَابِ«ارْتِكَابِ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ لِدَفْعِ أَعْلاَهُمَا» هَذِهِ قَاعِدَةٌ مَعْرُوفَةٌ في الدِّينِ، ومِنْ سِيرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَجِدُ هَذَا واضِحًا، فَيَوْمَ أَنْ كَانَ بِمَكَّةَ عليه الصلاة والسلام وكَانَ يَرَى الأَصْنَامَ ويَرَى غَيْرَهَا لَكِنَّهُ يَقْتَصِرُ عَلَى دَعْوَةِ النَّاسِ إِلَى التَّوْحِيدِ وإِلَى العِبَادَةِ ولَم يُكَسِّرِ الأَصْنَامَ ولَم يُحَطِّمْهَا لأَِنَّهُ يَتَرَتَّبُ عَلَى هَذَا شَرٌّ أَشَدُّ وهُوَ القَضَاءُ عَلَى الدَّعْوَةِ، واللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَلَا تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدۡوَۢا بِغَيۡرِ عِلۡمٖۗ [الأنعام: 108].

فَإِذَا تَرَتَّبَ عَلَى مَسَبَّةِ الأَصْنَامِ ومَسَبَّةِ المَعْبُودَاتِ أَنْ تَسَلَّطَ الكُفَّارُ وسَبُّوا اللَّهَ عز وجل فَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ، و«دَرْءُ المَفَاسِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى جَلْبِ المَصَالِحِ»، هَذَا من جَانِبِ النَّظَرِ فِيمَا يُثْمِرُهُ الأَمْرُ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيُ عَنِ المُنْكَرِ، ولَيْسَ التَّوَقُّفُ مَعْنَاهُ أَنَّنَا نُعَطِّلُ هَذَا الشَّيْءَ، بَلْ مَعْنَاهُ أَنْ نَعْمَلَ مَا نَسْتَطِيعُ مِنَ الدَّعْوَةِ والتَّرْغِيبِ والبَيَانِ، وأَمَّا إِزَالَتُهُ فَتَتَوَقَّفُ حَتَّى تَكُونَ بِأَيْدِينَا المَقْدِرَةُ الكَافِيَةُ.

النَّظَرُ في حَالَةِ الشَّخْصِ الوَاقِعِ في المَعْصِيَةِ ومُعَامَلَتِهِ بِحَسَبِهَا: وكَذَلِكَ مِنَ الرِّفْقِ أو مِنَ الحِكْمَةِ النَّظَرُ في حَالَةِ الشَّخْصِ الَّذِي يُؤْمَرُ ويُنْهَى، والَّذِي وقَعَ في المَعْصِيَةِ ثَلاَثُ حَالاَتٍ:


الشرح