×
محاضرات في العقيدة والدعوة الجزء الثاني

كَلِمَةٍ حَكِيمَةٍ تُؤَثِّرُ في القُلُوبِ كَم من خُطْبَةٍ أو مُحَاضَرَةٍ أَثَّرَتْ ونَفَعَتْ بِإِذْنِ اللَّهِ ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ [الغاشية: 21] ﴿وَذَكِّرۡ فَإِنَّ ٱلذِّكۡرَىٰ تَنفَعُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ [الذاريات: 55] ﴿سَيَذَّكَّرُ مَن يَخۡشَىٰ [الأعلى: 10].

وإِذَا كَانَ الإِنْسَانُ لا يَسْتَطِيعُ - ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ - أَنْ يُعْلِنَ لِلنَّاسِ بَيَان مَا وجَبَ عَلَيْهِم ومَا حُرِّمَ عَلَيْهِم فَإِنَّهُ لا أَقَلَّ من أَنْ يُنْكِرَ بِقَلْبِهِ، يُنْكِر عَلَى أَهْلِ المَعَاصِي مَعَاصِيهُم، يَعْنِي: يَكْرَهُ المَعَاصِيَ وأَهْلَهَا.

حُكْمُ مُخَالَطَةِ العُصَاةِ

****

إِذَا لَم يَكُنْ في مُخَالَطَةِ العُصَاةِ طَمَعٌ في هِدَايَتِهِم والتَّأْثِيرِ عَلَيْهِم يَعْتَزِلُهُم، ولا يُخَالِطْهُم مَسْرُورًا مَعَهُم ومُنْبَسِطًا مَعَهُم؛ لأَِنَّ هَذَا هُوَ المُدَاهَنَةُ، فالَّذِي يُخَالِطُ النَّاسَ العُصَاةَ والفُسَّاقَ ولا يُنْكِرُ هَذَا عَلَيْهِم ولا يَكْرَهُ مَا هُم عَلَيْهِ بِقَلْبِهِ بَلْ يَكُونُ مُنْشَرِحَ الصَّدْرِ مَعَهُم مُنْبَسِطَ البَالِ مُدَاهِنًا المُدَاهَنَةَ المَنْهِي عَنْهَا، والإِنْكَارُ بالقَلْبِ واجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ، لا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِهِ، لأَِنَّهُ لا يُمْكِنُ أَنْ يُمْنَعَ مِنَ الإِنْكَارِ بالقلب أَبَدًا فَإِذَا كَانَ لا يُنْكِرُ المُنْكَرَ بِقَلْبِهِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى خُلُوِّهِ مِنَ الإِيمَانِ، وقَالَ صلى الله عليه وسلم: «وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِْيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ» ([1])، وفي رِوَايَةٍ: «وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِْيمَانِ» ([2])، هَلَكَ من لَم يُنْكِرِ المُنْكَرَ بِقَلْبِهِ، فَإِذًا مَرْتَبَةُ الإِنْكَارِ بالقَلْبِ واجِبَةٌ عَيْنِيَّةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ لا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِتَرْكِهَا، أَمَّا الإِنْكَارُ باليَدِ والإِنْكَارُ بِاللِّسَانِ فَهَذَا يَكُونُ حَسَبَ الإِمْكَانِ وحَسَبَ الاسْتِطَاعَةِ، واللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسۡتَطَعۡتُمۡ [التغابن: 16].


الشرح

([1])  أخرجه: مسلم رقم (50).

([2])  أخرجه: مسلم رقم (49).