البَشَرِيِّ أَنَّ الإِنْسَانَ لا يَعِيشُ
وحْدَهُ، وحَتَّى لَوْ عَاشَ وحْدَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ
نَفْسَهُ بالمَعْرُوفِ ويَنْهَاهَا عَنِ المُنْكَرِ، ولَكِنْ في المُجْتَمَعَاتِ
البَشَرِيَّةِ يَتَأَكَّدُ ذَلِكَ ويَتَعَاظَمُ وُجُوبُهُ؛ لأَِنَّ من طَبِيعَةِ
البَشَرِ - إلاَّ من رَحِمَ اللَّهُ - العُدْوَانَ والظُّلْمَ بِحُكْمِ النُّفُوسِ
الأَمَّارَةِ بِالسُّوءِ وبِحُكْمِ وُجُودِ شَيَاطِينِ الِإنْسِ والجِنِّ
الَّذِينَ يُزَيِّنُونَ لِلنَّاسِ القَبَائِحَ ويُثَبِّطُونَهُم عَنِ الطَّاعَاتِ،
وبِحُكْمِ وُجُودِ المُغْرِيَاتِ مِنَ الشَّهَوَاتِ المُحَرَّمَةِ في كُلِّ وقْتٍ
بِحَسَبِهِ، فَإِنَّ التَّجَمُّعَاتِ البَشَرِيَّةَ تُوجَدُ فِيهَا المُغْرِيَاتُ
لِلوُقُوعِ في المُحَرَّمَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والمَآكِل والمَشَارِبِ والمَكَاسِبِ،
فَهُنَاكَ مُغْرِيَاتٌ فَاتِنَةٌ تُغْرِي كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لِمُقَارَفَةِ
المُنْكَرِ وتُثَبِّطُ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ
والمُسْتَحَبَّاتِ.
وبِحُكْمِ أَنَّ هَذَا من لاَزِمِ البَشَرِ اقْتَضَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ تعالى أَنْ شَرَعَ الأَمْرَ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيَ عَنِ المُنْكَرِ حَتَّى يَسْتَقِيمَ شَأْنُ الأُمَّةِ وحَتَّى تُقَاوِمَ هَذِهِ الأَمْرَاضَ، والآنَ تُوجَدُ مُسْتَشْفَيَاتٌ لِعِلاَجِ الأَمْرَاضِ الحِسِّيَّةِ الَّتِي تُصِيبُ الأَبْدَانَ، ويُوجَدُ الأَطِبَّاءُ لِمُعَالَجَةِ الأَجْسَامِ، وهَذَا شَيْءٌ يُحْمَدُ عَلَيْهِ وشَيْءٌ مَطْلُوبٌ، والمُجْتَمَعَاتُ كَذَلِكَ تُحَاوِلُ تَوْفِيرَ كُلِّ مَا فِيهِ بَقَاءُ المُجْتَمَعِ وقُوَّةُ المُجْتَمَعِ، ومِنْ أَعْظَمِ مَا يُهَدِّدُهُ أَمْرَاضُ الشَّهَوَاتِ والشُّبُهَاتِ، فَإِنَّ أَمْرَاضَ الشَّهَوَاتِ والشُّبُهَاتِ أَشَدُّ خَطَرًا من أَمْرَاضِ الأَجْسَامِ؛ لأَِنَّهَا أَمْرَاضٌ تُصِيبُ القُلُوبَ وتُصِيبُ الدِّينَ الَّذِي لا صَلاَحَ لِلبَشَرِ إلاَّ بِهِ، والقُلُوبُ هِيَ مُلُوكُ الأَجْسَامِ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم: «ألا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، ألاَّ وَهِيَ الْقَلْبُ» ([1]).
([1]) أخرجه: البخاري رقم (52)، ومسلم رقم (1599).