فَأَمْرَاضُ الشَّهَوَاتِ والشُّبُهَاتِ تُصِيبُ
القُلُوبَ حَتَّى تَمْرَضَ أو حَتَّى تَمُوتَ، إِذًا لابُدَّ من مُقَاوَمَةِ
هَذِهِ الأَمْرَاضِ، وذَلِكَ بالأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ،
وكُلُّ مُجْتَمَعٍ حَتَّى ولَوْ كَانَ مُجْتَمَعًا إِسْلاَمِيًّا ولَوْ كَانَ
الإِيمَانُ قَدِ انْتَشَرَ فِيهِ لا بَدَّ أْنَ يَكُونَ هُنَاكَ فِيهِ مِنَ
الفُسَّاقِ ومِنْ ضُعَفَاءِ الإِيمَانِ، ولا بُدَّ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَنْ
يَقَعُ في المُحَرَّمَاتِ، حَتَّى في العَهْدِ النَّبَوِيِّ عَهْدِ الرَّسُولِ صلى
الله عليه وسلم، والقُرُونِ المُفَضَّلَةِ الَّتِي هِيَ أَزْكَى القُرُونِ
والَّتِي أَثْنَى عَلَيْهَا الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بالخَيْرِيَّةِ: «خَيْرُكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ» ([1])،
قَالَ الرَّاوِي: لا أَدْرِي ذَكَرَ بَعْدَ قَرْنِهِ اثْنَيْنِ أو ثَلاَثَةً، في
هَذِهِ القُرُونِ المُفَضَّلَةِ وُجِدَ من يَعْصِي، وُجِدَ من يَزْنِي، وُجِدَ من
يَسْرِقُ، ولِذَلِكَ أُقِيمَتِ الحُدُودُ في عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم
وفي عَهْدِ الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ في القُرُونِ المُفَضَّلَةِ لِقِيَامِ
الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ لِعِلاَجِ هَذِهِ الأَمْرَاضِ
الفَتَّاكَةِ، فَمَا بَالُكُم بالقُرُونِ المُتَأَخِّرَةِ؟ ومَا بَالُكُم
بالقُرُونِ الَّتِي نَعِيشُ فِيهَا؟ وقَدْ فُتِحَتِ الدُّنْيَا وتَقَارَبَتِ
البُلْدَانُ واخْتَلَطَ العَالَمُ أَقْصَاهُ بِأَقْصَاهُ، وصَارَ مَا يَحْدُثُ في
أَقْصَى المَعْمُورَةِ يَصِلُ إِلَى أَقْصَاهُ بِسُرْعَةٍ.
ويَتَأَكَّدُ إِذن قَيامُ جَانِبِ الأَمْرِ بالمَعْرُوفِ والنَّهْيِ عَنِ المُنْكَرِ في هَذَا الوَقْتِ والاهْتِمَامِ بِهِ، فَلَيْسَ هُوَ الأَمْرُ الهَيِّنُ، فالإِنْسَانُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْمُرَ نَفْسَهُ ويَنْهَاهَا، قَالَ تَعَالَى: ﴿فَأَمَّا مَن طَغَىٰ ٣٧وَءَاثَرَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا ٣٨فَإِنَّ ٱلۡجَحِيمَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٣٩وَأَمَّا مَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ وَنَهَى ٱلنَّفۡسَ عَنِ ٱلۡهَوَىٰ ٤٠فَإِنَّ ٱلۡجَنَّةَ هِيَ ٱلۡمَأۡوَىٰ ٤١﴾ [النازعات: 37- 41]، وقَالَ تَعَالَى: ﴿وَنَفۡسٖ وَمَا سَوَّىٰهَا ٧فَأَلۡهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقۡوَىٰهَا ٨قَدۡ أَفۡلَحَ مَن زَكَّىٰهَا ٩وَقَدۡ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا ١٠﴾ [الشمس: 7- 10].
([1]) أخرجه: البخاري رقم (2508)، ومسلم رقم (2535).