قَالُوا: وَكَيْفَ يَتُوبُ
الْعَبْدُ مِنَ الذَّنْبِ وَيُعَاقَبُ عَلَيْهِ بَعْدَ التَّوْبَةِ؟! هَذَا
مَعْلُومٌ انْتِفَاؤُهُ فِي شَرْعِ اللَّهِ وَجَزَائِهِ.
قَالُوا: وَتَوْبَةُ هَذَا
الْمُذْنِبِ تَسْلِيمُ نَفْسِهِ، وَلاَ يُمْكِنُ تَسْلِيمُهَا إِلَى الْمَقْتُولِ،
فَأَقَامَ الشَّارِعُ وَلِيَّهُ مَقَامَهُ، وَجَعَلَ تَسْلِيمَ النَّفْسِ إِلَيْهِ
كَتَسْلِيمِهَا إِلَى الْمَقْتُولِ، بِمَنْزِلَةِ تَسْلِيمِ الْمَالِ الَّذِي عَلَيْهِ
لِوَارِثِهِ، فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ تَسْلِيمِهِ لِلْمُوَرِّثِ.
وَالتَّحْقِيقُ فِي
الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الْقَتْلَ يَتَعَلَّقُ بِهِ ثَلاَثَةُ حُقُوقٍ: حَقٌّ
لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْمَقْتُولِ، وَحَقٌّ لِلْوَلِيِّ.
فَإِذَا سَلَّمَ الْقَاتِلُ
نَفْسَهُ طَوْعًا وَاخْتِيَارًا إِلَى الْوَلِيِّ نَدَمًا عَلَى مَا فَعَلَ،
وَخَوْفًا مِنَ اللَّهِ، وَتَوْبَةً نَصُوحًا، سَقَطَ حَقُّ اللَّهِ
بِالتَّوْبَةِ، وَحَقُّ الْوَلِيِّ بِالاِسْتِيفَاءِ أَوِ الصُّلْحِ أَوِ
الْعَفْوِ، وَبَقِيَ حَقُّ الْمَقْتُولِ يُعَوِّضُهُ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ عَنْ عَبْدِهِ التَّائِبِ الْمُحْسِنِ، وَيُصْلِحُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَهُ، فَلاَ يَبْطُلُ حَقُّ هَذَا، وَلاَ تَبْطُلُ تَوْبَةُ هَذَا.
****
الشرح
جعلَ اللهُ جل وعلا في
القتلِ العَمْد عُقوبة في الدنيَا وهِي القِصاص، وعُقوبة في الآخِرة وهِي
الوَعِيد، فإذا قُتِل الكافرُ عَمدًا ثُمَّ أسلمَ فإن الإسلامَ يُخفِّف أثرَ هذه
الجَريمة، ويكُون مانعًا مِن نُفوذ ذلكَ الجَزاء.
أما المُسلِم إذا قُتِل
عَمدًا ثم تابَ، فهل يَسقُط عَنه الوَعِيد في الآخرةِ الذِي ذكرَه اللهُ عز وجل
بقَوله: {فَجَزَآؤُهُۥ
جَهَنَّمُ خَٰلِدٗا فِيهَا} [النساء: 93] ؟ الجُمهور على أنه يَسقُط بالتوبةِ،
والقَول الثَّاني - وهو قَول ابنِ عبَّاس وجَماعة مِن السَّلف - : أنه لا يَسقُط،
بل لا بُدَّ مِن نُفوذ الوَعيد فِيه.