فَصْلٌ
وَكُلُّ حَرَكَةٍ فِي
الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ فَأَصْلُهَا الْمَحَبَّةُ، فَهِيَ
عَلَيْهَا الْفَاعِلِيَّةُ وَالْغَائِيَّةُ. وَذَلِكَ لأَِنَّ الْحَرَكَاتِ
ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: حَرَكَةٌ اخْتِيَارِيَّةٌ إِرَادِيَّةٌ، وَحَرَكَةٌ
طَبِيعِيَّةٌ، وَحَرَكَةٌ قَسْرِيَّةٌ.
وَالْحَرَكَةُ
الطَّبِيعِيَّةُ أَصْلُهَا السُّكُونُ، وَإِنَّمَا يَتَحَرَّكُ الْجِسْمُ إِذَا
خَرَجَ عَنْ مُسْتَقَرِّهِ وَمَرْكَزِهِ الطَّبِيعِيِّ، فَهُوَ يَتَحَرَّكُ
لِلْعَوْدِ إِلَيْهِ، وَخُرُوجُهُ عَنْ مَرْكَزِهِ وَمُسْتَقَرِّهِ إِنَّمَا هُوَ
بِتَحْرِيكِ الْقَاسِرِ الْمُحَرِّكِ لَهُ، فَلَهُ حَرَكَةٌ قَسْرِيَّةٌ
تَتَحَرَّكُ بِتَحْرِيكِ مُحَرِّكِهِ وَقَاسِرِهِ، وَحَرَكَةٌ طَبِيعِيَّةٌ
بِذَاتِهَا يَطْلُبُ بِهَا الْعَوْدَ إِلَى مَرْكَزِهِ، وَكِلاَ حَرَكَتَيْهِ
تَابِعَةٌ لِلْقَاسِرِ الْمُحَرِّكِ، فَهُوَ أَصْلُ الْحَرَكَتَيْنِ.
وَالْحَرَكَةُ الاِخْتِيَارِيَّةُ الإِْرَادِيَّةُ هِيَ أَصْلُ الْحَرَكَتَيْنِ
الأُْخْرَيَيْنِ، وَهِيَ تَابِعَةٌ لِلإِْرَادَةِ وَالْمَحَبَّةِ، فصارت الحركات
الثلاث تابعة للمحبة والإرادة.
وَالدَّلِيلُ عَلَى
انْحِصَارِ الْحَرَكَاتِ فِي هَذِهِ الثَّلاَثِ: أَنَّ الْمُتَحَرِّكَ إِنْ كَانَ
لَهُ شُعُورٌ بِالْحَرَكَةِ فَهِيَ الإِْرَادِيَّةُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
شُعُورٌ بِهَا، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلَى وَفْقِ طَبْعِهِ أَوْ لاَ.
فَالأُْولَى هِيَ:
الطَّبِيعِيَّةُ.
وَالثَّانِيَةُ الْقَسْرِيَّةُ.
****
الشرح
هذه عِباراتٌ دَقيقة، ولكِن المَحبة لا شَكَّ أنها مَيْلُ القَلب إلى أيِّ مَحبوبٍ كانَ، فكُل إنسانٍ يَأتي شيئًا إنما يَأتيه في الغالبِ لمَيْلٍ إليه ومَحبة له، لا أحدَ يأتِي شيئًا إلا وهو يُحِبه غالبًا، لكنه قد يَأتيه أحيانًا مِن غيرِ مَحبة، وهذا خَارِج عن الأصلِ.
الصفحة 1 / 375